المنبرالحر

المجموعات الشيوعية المسلحة في الاهوار / جمال الخرسان

بعد وصول البعثيين الى الحكم عام 1963، وبعد ما فعله الحرس القومي من جرائم ضد العراقيين بشكل عام وبحق الشيوعيين بشكل خاص، ثم مجيء الحكم العارفي واستمرار ملاحقة البعثيين على يد القوميين، خصوصا وان ذلك ترافق مع تطورات دولية وانتصار للتجارب الشيوعية في مناطق عديدة من العالم خصوصا في امريكا اللاتينية.. تلك التراكمات الدولية اضافة الى تراكمات اخرى داخل البيت الشيوعي دفعت مجموعات من الحزب الشيوعي نحو «النضال المسلّح»، ولهذا تواجدت في مناطق عديدة من الاهوار الوسطى والشرقية مجموعات مختلفة تابعة للحزب الشيوعي، هكذا اختار بعض الشيوعيين الاهوار كي تكون ملاذهم الآمن ومنطلقا لنضالهم المسلح.
ومن ابرز تلك المجموعات الشيوعية المسلحة كانت مجموعة امين الخيون «ابو جماهير»، التي تمترست في الاهوار وعلى ضفافها بعيد انقلاب شباط 1963. الاهوار وقاد مجموعة مسلحة اسماها منظمة «الكفاح المسلح» ازعجت السلطات كثيرا هناك، حيث قاتل ومجموعته عدة سنوات في الاهوار. ولعل هذه من اهم المجموعات الشيوعية المسلحة التي نجحت في الاهوار.
أما المجموعة الأشهر فهي مجموعة خالد احمد زكي، الذي وصل إلى العراق بحماس منقطع النظير أواخر عام 1967 قادما من لندن حيث كان يعمل سكرتيرا لمنظمة بريتراند راسل للسلام، وأسس بعيد وصوله «جبهة الكفاح الشعبي المسلح في العراق». محور هذه الجبهة ورئيسها خالد احمد زكي، حثّ الشيوعيين على استثمار الأرياف وأطراف المدن من اجل السيطرة عليها ثم الانطلاق منها للسيطرة على مراكز المدن، تأثّرا ببعض التجارب الشيوعية في امريكا اللاتينية.
في منتصف عام 1968 قصد خالد احمد زكي الاهوار الوسطى برفقة مجموعة من الشيوعيين بعضهم هرب من سجن الحلة، ذهبوا الى هناك من اجل تشكيل نواة اولى تستقطب من حولها بهدف قيادة عمل مسلح وثورة شعبية انطلاقا من الاهوار.
بمعنويات عالية وحماس منقطع النظير جاءت تلك المجموعة الثورية أملا في صناعة ثورة شعبية مسلحة. وكان من المفترض أن يمدهم الجناح الشيوعي المنادي بحمل السلاح بما يلزم من عدة وعتاد، ولكن هذا لم يحصل. فأصيبوا بالإحباط وقرروا تأمين السلاح من خلال السيطرة على مخافر الشرطة القريبة من الاهوار.
في أول نشاط مسلح لأفراد تلك المجموعة تمكنوا من السيطرة على مخفرين للشرطة قرب قضاء الشطرة والاستحواذ على ما فيهما من سلاح وذخيرة. لكنهم في طريق العودة ضلوا الطريق وبقوا في العراء على ضفاف اهوار ذي قار، فحوصروا هناك لمدة يومين، وبعد تعرّضهم لسلسلة من الكمائن وخوضهم المواجهة المسلحة مع القوات الامنية والجيش، انتهى بهم المطاف محاصرين في بيئة مكشوفة، فكانت نهايتهم المحزنة جدا في «معركة هور الغموكة» الشهيرة في حزيران عام 1968، حيث قتل خالد أحمد زكي قائد المجموعة وعدد اخر ممن معه وجرح بعض آخر، اما البقية فمنهم من اسر ومنهم من تسرّب اثناء المعركة .
التجربة المستعجلة لم تصمد طويلا وقد خسرت الجولة في اول صدام لها مع الاجهزة الامنية. ولعل ابرز ما ادى الى هزيمتهم انهم لم يكونوا من سكان تلك البيئة ولم يستثمروا خبرة سكانها بشكل جيد.
(بخلاف ما فعله الإسلاميون في الاهوار لاحقاً، فهم حرصوا على استثمار خبرة سكان الاهوار التي ساعدتهم كثيرا على التكيّف والعيش في بيئة استثنائية جدا). وما يزيد الطين بلة ان مجموعة خالد احمد زكي لم تستقر في مكان واحد كي يتمكن افرادها من معرفة كيفية التحرك في الأهوار ودهاليزها الغامضة. ان من يتحرك بلا معرفة في الاهوار كمن يسير في الصحراء ولا يعرف الى اين يتجه؟! حيث تختفي ملامح الاتجاهات الاربعة ولا تنفع حينها الا خبرة من تربّى على تفاصيل ذلك المكان وتلقّاها بشكل فطري، ان الظروف الامنية تجبرهم احيانا على تغيير مقراتهم لئلا ترصدهم الاجهزة الامنية، لكن هذا يتطلب تنسيقا عاليا بين افرادتلك المجموعات ناهيك عن انهم انقسموا لاحقا الى مجموعتين، الاولى استقرت في اهوار ميسان والثانية في أهوار ذي قار. وجاء الانقسام اثر الخلافات في وجهات النظر وهذا ما زاد الطين بلة.
ورغم عدم نجاح تجربة مجموعة الشهيد خالد احمد زكي الا انها سرقت الاضواء الاعلامية من التجارب الشيوعية الاخرى الاكثر نجاحا في الاهوار، مثل تجربة امين خيون في اهوارذي قار، اضافة الى تجارب المجموعات الاخرى التي انشقت عنها واستقرت في اهوار ميسان الشرقية والغربية في الفترة «1968-1971» إذ ان افراد تلك المجموعات كانوا على معرفة بكيفية التعامل مع بيئة الاهوار وجغرافيتها افضل بكثير مما كانت عليه تجربة خالد احمد زكي، لذلك لم يتعرّضوا الى الابادة.