المنبرالحر

صحة الصدور / علي عبد الواحد محمد

الأجراءات المتخذة في دولتنا لمكافحة الفساد والترهل والتبذير، مهمة و لا يسع اي مواطن غيور على مسيرة البلاد في الإتجاه السليم ، الا ان يضم جهوده الى جهود الحكومة ، والا ان يبارك هذه الخطوات المهمة في دفع البلد والمواطن الى راحة البال ، والإطمئنان، ولكن تبقى هناك هواجس وتبقى متطلبات لإجراءات اخرى ،تتعلق بمعاناة المواطنين ، من دوائر الدولة ، وغيرها.
كم منا قد شكا من شباك المراجعة في الدوائر؟ ، وكم من معاملة تأخرت لأن الموظف غير موجود ؟!، وكم منا من تزاحمت الأفكار في رأسه ، عندما يرى احدهم يقدم عليه وتنجز قضاياه ،بينما قضيته هو نائمة في الأدراج؟ اسئلة تدور في الرأس، لا تجد لها جواب مقنع ! وكم منا يقف حائرا عند مواجهة الطبيب ،الذي تكلف مراجعته مبلغا كبيرا ، يرهق كاهل الفقير ، لأن عليه ان يتزاحم مع الذين تم ادخالهم معه ، في نفس الوقت ، فلا يكون هناك متسع لسماع الحالة المرضية ، من المريض ، فيكون الحل سهلا ،ويتم اللجوء الى التحليل والمفراس وغيرها من المطاليب ، رغم اهميتها ، فكل الأطباء في الأمم المتقدمة يلجؤون الى التحاليل لتشخيص الأمراض ،إلا ان المريض يكون لوحده يستمع الى الطبيب ، والطبيب يستمع اليه . ليس كما عندنا حيث يضيع حديث الطبيب وتضيع شكوى المريض ، بين اصوات المرضى الآخرين . ويصبح الحال اكثر مأساويا عندما يدور الحديث عن العيادات الحكومية في المستشفيات والمستوصفات التابعة للدولة ، ومن يوقعه حظه العاثر مضطرا لمراجعة المستشفى للعلاج او لزيارة مريض ، فأنه يرى العجب العجاب .
إن المعاناة لا تنحصر فقط عند مراجعة المؤسسات الطبية والصحية في البلد ، وإنما في كل دوائر الدولة ومؤسساتها المنتشرة ، والتي حتمت كثرة الأحداث ، إتساعها وتفرعها ، فكل ما يحتاجه الناس من وثائق ، ومن معاملات تمر عبر شباك المراجعة الشهير ، وعبر تكوين الإضبارات التي تتوزع محتوياتها ، ما بين عدد من شبابيك المراجعة وعدد من الطوابق ، وعدد من الطوابير ، التي كثيرا ما تعاد المرة تلو الأخرى حينما تستدعي المعاملة مراجعة الشباك اكثر من مرة ، وكل وثيقة جديدة يطالب المراجع بصحة صدور لها ، التي من شروطها ان تكون مرسلة من الجهة التي اصدرتها مباشرة وعن طريق معتمدها الى الجهة التي طلبتها ، ما يعني المزيد من هدر الوقت ، و(التوريق ! ) ، ناهيك عن الوثائق الرئيسية التي تتصدر مجموعة اوراق الأضابير وأعني بها ( هوية الأحوال المدنية الأصلية ونسخة عنها ، شهادة الجنسية العراقية أصلية ونسخة مصورة عنها ، البطاقة التموينية الأصلية ونسخة مصورة عنها ، بطاقة السكن الأصلية ونسخة مصورة عنها ) ، الحال لا يوصف في كل دوائر الدولة العراقية ، والعدوى سارية لبعض المؤسسات العراقية في الخارج ، مثلا مكتب الخطوط الجوية العراقية في بيروت ، تمت مراجعته من قبل احد الأصدقاء ، وكنت معه ، لتغيير موعد العودة الى العراق ، الموظف المختص للتغيير في الطابق الأول من المبنى ، يزدحم عليه المراجعون كما العادة في الدوائر في بلدنا ، بعد ان اعد التذكرة الجديدة بالموعد الجديد اعطاها للمراجع طالبا منه الصعود للطابق الثاني لتصديقها . بينما راجع صديق آخر مكتب الخطوط الجوية التركية لتقديم موعد السفر ، قامت موظفة واحدة بتقديم الموعد واستحصال مبلغ حجز المكان الجديد منه وتحرير وصل له بذلك ! .
لدينا نظام إدارة موروث منذ عهود قديمة اكل عليه الدهر وشرب ، وجرت تطورات جدية في كل العالم ، لتجاوز الروتين والبيروقراطية ، ووضع علم الإدارة في الكثير من البلدان ، ومنها بلدان شقيقة ظروفها الإجتماعية ليست افضل من ظروفنا ، موضع التطبيق ، وجرت الدراسات والبحوث ، واقيمت الدورات في هذه البلدان لتطوير الإدارة الذي يهدف الى تقديم الخدمات ،( لاحظ الخدمات ) ، الى المراجعين بأحسن الطرق التي توفر الجهد والوقت ، وتضمن حسن الأداء . وفي بعض هذه الدول شرع بعملية التحسين الإداري ، بشعارات مقبولة من الموظفين ومن المراجعين على حد سواء مثل شعار ( الإدارة علم وفن ) ، روعي فيها إستخدام منجزات العلم وتكنولوجيا المعلومات ، وأحدث الطرق لدراسة التنمية البشرية ، على إعتبار إن الإنسان هو أثمن ما في الوجود ، وإستخدام الطرق التي تشعر الأنسان بقيمته من خلال تعامله مع موظفي الدولة . والحق يقال إن دولتنا تشعر بأهمية التقدم العلمي والتكنولوجي في كل شئ ، فقد كثرت التصريحات من اعلى المسؤولين عن الدولة الألكترونية، فأني اضع بين ايديكم هنا وبكثير من الإختصار، فكرة عن تقنية ( تكنولوجيا ) المعلومات ، التي تقوم بتفعيل أنظمة المعلومات العامة والشخصية وإعتماد ( الكمبيوترات ) الحواسيب وتوحيدها من خلال المركز الوطني للحاسبات ، حسب مختلف الإختصاصات ، بما فيها المعلومات المتعلقة بكل مواطن ، من خلال رقم خاص يناله ، يستطيع أي موظف إستدعاء المعلومات الدقيقة والمعتمدة في الدولة بمجرد ادخال هذا الرقم في الحاسوب ،. وإن عملية ايجاد المعلومات وإستخدامها لإصدار الوثائق المهمة كجواز السفر وهوية الأحوال المدنية وغيرهما من الوثائق الهامة،تنجز والمراجع في بيته ، فكل ما عليه القيام به ، سحب رقم لدوره في المراجعة والجلوس في غرفة الإنتظار المكيفة والمجهزة بمكائن الشاي والقهوة ، والمشروبات الغازية لحين المناداة على الرقم وتحديد الموظف للمراجعة ويتم تقديم الطلب ، مرفق بالرقم الشخصي وعدد الصور المطلوبة منه ، إذا كانت مطلوبة ، ويقال له ستصلك الوثائق خلال كذا يوم بالبريد ! . بقيت مسالة مهمة ربما يتساءل البعض عن سريه المعلومات ، ليكن الذي يتساءل مطمئنا فسرية المعلومات متوفرة وهي متعلقة بالرقم الشخصي الذي لا يعرفه الا الشخص المعني .
وربما قائل يقول ان الحلول ستكون مؤجلة لحين ، قيام الحكومة الألكترونية ، اعتقد إنه يمكن القيام ببعض الإجراءات ، التي تسهل المراجعة ، وتلغي شباكها ( نافذتها ) ، كأن يصار الى تكوين صالة الإنتظار ، وإستحداث نظام ارقام الدور وتخصيص عدد من الموظفين لإستلام الطلبات ، وبدلا من ارسال المراجع لإستحصال قيد دار او غيره ، يتم الإنجاز خارج وقت المراجعة وهكذا ، إن التفكير الجاد ، بحق المواطن في ان يتعامل معاملة ، ترتقي بنا الى مصاف الأمم التي سبقتنا في هذا المظمار ومن ضمنها دولا كانت تنظر الينا على إعتبارنا مثلا لها فسبقتنا بالعلم والعمل ونحن اهل للتقدم والإستغناء عن صحة الصدور .