المنبرالحر

المصالحة الوطنية طريق لعودة الأمن والبناء / مصطفى محمد غريب

في سالف العصر والزمان وما قيل في الأوان ومنذ أن لاح لنا شبح الاستبداد والتعثر وصور للقائد الأعظم والعبقري الفذ والمخلص الواحد مرة ثانية بعد سقوط النظام الديكتاتوري وبرؤيا واضحة لما يحيط بنا من تجارب بلدان كثيرة تكاد أن تشابه العراق في تجربة البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والخدمي بعد الاحتلال، وجدنا بعد محاولة لإعادة المسرحية أن التصالح لتحقيق السلم الاجتماعي هو الصائب في مثل هذه الظروف وبقينا مصرين على ذلك لأننا نعرف بالسليقة كيف ستسوء الأوضاع في البلد وستتضرر الأكثرية وبخاصة شغيلة اليد والفكر والكادحين وأصحاب الدخل الضعيف وغيرهم، واليوم نعود ونشدد في عهد وزارة السيد حيدر العبادي )بعد خراب البصرة( في عهد الوزارة السابقة لنطالب بضرورة المصالحة الوطنية الشاملة على أسس واضحة لا لبس فيها وتفريط، لا زيادة بالكلام المكشوف والخطاب المعطوف، بل يجب أن تكون المصالحة عامة بدون أية شروط إلا شرط نضع على أنفسنا حاضراً ومستقبلاً مصلحة الوطن والمواطن العراقي، وأن لا مصالحة مع المجرمين القتلة بمن تلطخت أيديهم بدماء المواطنين الأبرياء، القتلة من كل الجهات والمكونات، ولا تختصر على مكون واحد مثلما فعلها نوري المالكي فضاع الخيط وضاع العصفور، ولهذا يجب أن يفهم الذي يحاول أن لا يفهم ويريد أن يقلب الأمور حينما يحاول تشويه شعار المصالحة الوطنية وكأنه مصالحة مع عتاة المجرمين من أقطاب النظام البعثي الصدامي السابق أو الإرهابيين لا بل نضيف عليهم من مافيا الميليشيات الطائفية المسلحة التي ظهرت بعد الاحتلال والسقوط.
إن الأوضاع المأساوية التي حلت بالعراق تجعلنا نفكر بشكل جدي وصريح ونؤمن..بأن من يريد أن يقود البلاد عليه أن لا يوعد ولا يصرح فحسب بل يعمل من اجل إنجاح مشروع المصالحة بمفهومها:
ــــ الوطني الذي ينبذ الطائفية والتفرقة ويحقق المواطنة للجميع
ــــ يتحلى بالأخلاق وبالإخلاص للوطن دون تبعيات وارتباطات خارجية
ــــ السعي للتخلص من آفات الفساد وتحقيق نوعاً من المساواة في مجالات العمل والبناء وتحسين الخدمات العامة في كافة المجالات بما فيها ضمان حقوق النساء المشروعة
ــــ يضع في حساباته الشخصية والعامة خدمة الشعب بجميع مكوناته.
وإلا لن تكون هناك مصالحة وطنية دون الاستناد على المعايير المذكورة وغيرها من أسس المصالحة الوطنية الحقة، كما أنها ستكون مصالحة وقتية سرعان ما تفشل وتعيد البلاد للمربع الأول / الطائفي البغيض مثلما حدث في السابق عندما عقدت المؤتمرات والاجتماعات الثنائية أو العامة إلا أنها باءت بالفشل لا بل بعد ذلك أصبحت من اشد المعوقات أمام مصالحة وطنية سليمة، ولهذا يحتاج العراق والشعب العراقي إلى قوانين تسن على أسس صحيحة كي لا يتم خرقها أو التجاوز عليها تحت طائلة من الحجج والاتهامات والاعتراضات، وكما أسلفنا لا نعرف بالضبط هل استفاد السيد حيدر العبادي من تلك التجارب ومن مساعي البعض لتحقيق المصالحة الوطنية ؟ وهل استفاد من العثرات والنواقص التي جابهتها؟ وهل توصل إلى قناعة بان التوجه نحو تحقيق أو إنجاح مشاريع المصالحة في السابق كان الغرض منه تمرير المخططات التي تتشبث بالسلطة أو ذر الرماد في العيون؟ وهل عرف أن المصالحة المنشودة هي إنقاذ للبلاد وتخليصها من الأدران التي تعلقت بها وبالعملية السياسية؟ وهل هو جاد فعلياً في جعل المصالحة واقعاً تفرضه الإرادة الوطنية وفق قوانين تُشرع لها؟
كل هذا الكم من الاستفسارات وغيرها من استفسارات عديدة تدل على مدى القلق الذي ينتاب الكثير من المواطنين حول مدى جدية السيد حيدر العبادي لتحقيق مشروع المصالحة الوطنية، ففي تصريحاته العديدة منذ توليه رئاسة مجلس الوزراء يؤكد على أهمية المصالحة الوطنية باعتبارها خير ضمان للحفاظ على الوحدة الوطنية وإنقاذ البلاد من الإرهاب والفساد ولكن على ارض الواقع لا يوجد تحرك عملي واضح في هذا الاتجاه وهناك مخاوف داخلية ودولية للعودة إلى سياسة التهميش وهو خطر قد يدخل البلاد في نفق أزمة جديدة لا تعرف عواقبها وقد كشف تقرير أمريكي أيضاً تلك المخاوف عندما نقل عن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل الذي نشرته الغد برس / بغداد عن مجلة ( فورين بولصي ) " أن المسؤولين الأمريكان قلقون من أن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ليس جادا في التصالح مع الطائفة السنية في بلده" ونقلت المجلة قوله بالحرف الواحد ما قاله العبادي " ليسوا جديرين بالثقة". إذا كان الأمر كما نقلته المجلة الأمريكية صحيحاً فتلك كارثة أخرى وكأن حيدر العبادي لم يتعظ من تجربة نوري المالكي التي أضرت البلاد في هذا المضمار وهذا ما جاء على لسان " النائبة انتصار الجبوري انه "في حالة انعدام الثقة فسيذهب العراق للهاوية، وأولى خطوات الثقة هي تمشية القوانين المهمة بإنصاف". لكن الأمر اختلف عما جاء في التقرير الأمريكي وبخاصة تصريحات السيد حيدر العبادي بخصوص التعاون والمصالحة ومحاربة الإرهاب حيث أشار بشكل صريح " لن يكون هناك نصر دائم دون إصلاح حكومي ومصالحة وطنية وإعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي" وزاد على ذلك بالقول أن"الإقصاء يولد التطرف".
وما يشجع المواطن العراقي ما جاء على لسان رئيس الجمهورية فؤاد معصوم حول تطبيق مشروع المصالحة الوطنية الشاملة في العراق أن " المصالحة الوطنية الشاملة هي الطريق الوحيد للتخلص من كل المصاعب وبما يساعد على استتباب الأمن والسلم الاجتماعي " وأكد رئيس الجمهورية في هذا السياق " السعي من أجل اتخاذ خطوات حاسمة وحازمة وإعادة النظر في عدة قرارات وقوانين لإنجاح المصالحة وتحقيق الأمان والازدهار والوئام والتقدم بعيدا عن ويلات الاحتراب ".
الجميع يتذكر ما نص عليه البرنامج الحكومي الذي أعلنه السيد حيدر العبادي وبالأخص حول المصالحة الوطنية، وقد أثبتت الأيام أن تنفيذ هذا البرنامج يعني الاستقرار السياسي النسبي وليس المطلق، ونحن هنا لا نشكك بنية رئيس الوزراء حيدر العبادي لتحقيق المصالحة لكن النية شيء والتوجه العملي الملموس شيء مختلف، فكثير من النيات تبقى معلقة في الأذهان دون تنفيذ أو تحقيق، بينما البدء في الخطوة العملية الأولى يعني الاستمرار في السير للوصول إلى الهدف المنشود أي المصالحة الوطنية الشاملة. ومنذ أن أعلن عن التوجه نحو إنهاء الخلافات مع الإقليم وخلق أرضية للتفاهم والإصلاح وتحقيق المصالحة واعتماد المواطنة بدلاً من الطائفية اخذ كل من كان داخل العملية السياسية أو خارجها يضعون العصا في العجلة لإيقاف هذا التوجه، وهم ينشرون غسيلهم الوسخ من خلال تصريحاتهم السامة وبث إشاعاتهم تشككاً بقدرة حيدر العبادي أو حكومة الإقليم أو من يريد تذليل الصعوبات لحل المشاكل المتعلقة لا بل يشككون حتى بنجاح مشروع المصالحة الوطنية، هؤلاء أنفسهم استطاعوا في الفترات السابقة أن يبرزوا كدعاة للتحريض ولشق الوحدة الوطنية وزيادة الاحتقان الطائفي، واليوم هم أنفسهم مازالوا على عهدهم السيئ يسعون بمختلف الأساليب الوسخة إلى التخريب والانشقاق باعتبارهم قاعدة حاضنة للإرهاب الداعشي والميليشيات الطائفية المسلحة واستمرار الفساد بكل أشكاله..
المصالحة الوطنية الشاملة وفق المبادئ الوطنية كما أكدنا عشرات المرات هو الطريق للتخلص من الاحتقان الطائفي والتخلص من كل أشكال الإرهاب السلفي والأصولي وبناء دولة المواطنة والمساواة بين جميع المكونات للشعب العراقي، بناء الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية.