على الرغم من إعلان وزارة النفط العراقية عن زيادة معدلات إنتاجها من النفط الخام إلى ما يقرب من أربعة ملايين برميل نفط خلال العام المقبل، فأن توقعات صندوق النقد الدولي تطابقت مع تحذيرات بعض المتخصصين بالشأن الاقتصادي حول قلة السيولة النقدية في العراق خلال العام القادم، فضلاً عن انكماش اقتصاده المعتمد على النفط بنسبة تتجاوز ثلاثة بالمائة على خلفية تراجع أسعار النفط العالمية، وبخاصةً في الأيام الأخيرة التي سجلت فيها أسعار النفط العالمية أدنى مستوى لها منذ عام 2009 الذي شهد قمة منحنى الأزمة المالية العالمية التي أدت إلى ركود اقتصادي عالمي لم يتعاف العالم منه بعد. إذ انخفض سعر برميل النفط خلال التعاملات الآسيوية في هذه الأيام إلى ما دون حاجز الـستين دولاراً، ما أفضى إلى التأثير سلباً على المشهد الاقتصادي في العراق، الذي انعكس على الحكومة بحالة من الترقب والقلق بفعل استمرار العمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية التي تتطلب اموالاً طائلة، إضافة إلى متطلبات إعداد الحرس الوطني وتدريبه وتجهيزه وتعويض الأسلحة الثقيلة والمعدات التي خسرها الجيش العراقي في المدة التي أعقبت خروج مدينة الموصل عن سيطرة الحكومة المركزية. إن تدني اسعار النفط العالمية التي تعد من وجهة النظر الاقتصادية تحدياً كبيراً لتنفيذ برامج عملية التنمية في البلاد خلال العام المقبل، يفرض على القيادات الإدارية في العراق السعي الجاد لتبني برامج علمية منظمة، من شأنها المساهمة في عملية الإصلاح الاقتصادي الذي ينحى صوب تعدد مصادر تكوين الدخل عبر تنمية قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها، بغية الخروج التدريجي من رِبقة الاقتصاد الريعي الذي طبع الاقتصاد الوطني منذ عقود طويلة، ولاسيما أن التوقعات تشير إلى تواصل مسلسل هبوط أسعار النفط الخام بسبب تخمة معروضة، إلى جانب تراجع الطلب.

إن قرار الحكومة العراقية في العاشر من الشهر الجاري القاضي بالموافقة على تخفيض الرسوم الجمركية على الشاحنات الأردنية المحملة بالخضراوات والفواكه من (2200) دولار الى (700) دولار، من أجل المساعدة في تسهيل انسياب السلع الزراعية إلى العراق بحسب وزير الزراعة الأردني الدكتور عاكف الزعبي، لا يمكن أن يتوافق مع معطيات وأهداف المبادرة الزراعية التي حققت نتائج إيجابية على الرغم من بعض السلبيات التنظيمية التي أحاقت بها، إضافةً إلى تقاطعها بكافة المقاييس والمعايير مع الرؤى الاقتصادية والمالية التي تقوم بها الحكومة العراقية لتنمية القطاع الخاص الذي بمقدوره المساهمة في تعزيز مهمة مواجهة الإرهاب، إضافةً إلى تأمين متطلبات السوق المحلية بسلع وبضائع تفوق المنتج المستورد من ناحيتي الكفاءة والأمان، فضلاً عن معاونته في تكريس مرتكزات عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر المساهمة الفاعلة في امتصاص جزء من معدلات البطالة التي تشكل الرافد الأبرز في مهمة الاستقرار الاجتماعي الذي من شأنه المعاونة في تقليص معدلات الجريمة التي تعد أحد مصادر تنامي ظاهرة الإرهاب.

وعلى وفق ما تقدم، فأن من جملة سلبية آثار القرار الذي تقدم ذكره، إفضاءه إلى عزوف الفلاح العراقي عن الزراعة مثلما هو الصناعي العراقي، نتيجة المنافسة غير المتكافئة مع المنتج الأجنبي في السوق المحلية التي تعاني تسيد ظاهرة الإغراق السلعي التي أنهكت الاقتصاد الوطني من خلال مساهمتها بتدمير البنى التحتية لجميع القطاعات الإنتاجية التي أصبحت مشاركتها هامشية وغير محسوسة في مهمة بناء الدخل.

وبعد أن لاحت في الأفق نذر سياسة التقشف في بلادنا التي لا يزال شعبها يلْعِقُ جروحه النازفة، فأن إدارة الزراعة معنية بتجاوز عراقيل تنمية الإنتاج الزراعي، وتعزيز الاستعمال الفعال لتقنيات الزراعة الحديثة الذي يفضي إلى تحسين جودة المنتج الزراعي، بغية تحسين الأمن الغذائي ومحاربة الفقر، إلى جانب مسؤوليتها الوطنية بإعادة النظر في هذا القرار، حيث أن العراقي من الشرائح الاجتماعية التي خبرت أهوال أقذر حصار شهدته الإنسانية ، وبوسعه الاستغناء عن الفواكه المستوردة من أجل المساهمة في دعم معركته ضد الإرهاب.