المنبرالحر

تحرّش اجتماعي / قيس قاسم العجرش

أحدث نظريات علم النفس تقول: إن التحرش الجنسي لا علاقة له بالرغبات، ولا علاقة له بالكبت، إنما هو نموذج مشوّه للتعبير عن ولع بالسيطرة، يصدر دائماً عن افراد (مُسيطر)عليهم بقسوة.
حين التقيت بمراسلة سي بي أس، لارا لوغان، كان آخر ما أودّ أن أذكره أمامها هي حادثة التحرش الشهيرة التي نجت بحياتها بعدها بأعجوبة من وسط ميدان التحرير في القاهرة.
لارا تعرّضت الى أفظع شكل ممكن أن تصل اليه أيادي المتحرشين، كان ذلك في لحظة هياج جماهيري خلال تغطيتها للثورة المصرية. انطفأ ضوء الكاميرا المرافقة لها وساهمت الجموع بإبعاد الزملاء الذين كانوا معها، وانتهى الأمر إلى أن تكون بين الحياة والموت لساعات قبل أن تنقذها الشرطة المصرية.
لكنها بشجاعة تستحق التقدير، كسرت الجليد وسألت عن عمل الصحفيات العراقيات وهل يواجهن مشاكل تمييز أم مشاكل تحرش؟
انحصر الحوار عما يمكن أن يواجهه الصحفي من تحرش في الشارع ويكون مصدره أفراد عاديين (أو يبدون كذلك) من بين الحشود وعامة الناس، وربما تكون هناك أطوار أخرى من التحرّش، ربما لا يكون تحرشاً جنسياً إنما هو تحرش ذو وجهة "اجتماعية".. وليس للصحفيات فقط إنما للصحفيين ايضاً.
في السليمانية، واجهتُ تدخلاً غريباُ من مواطن يمشي في السوق.. سألني وسأل المصور الذي يرافقني: لماذا لا تحملون "لوغو" يشير إلى القناة التي تعملون بها؟ وحين سألته عن علاقته بالأمر وما هي سلطته كي يستفسر.. غضب وهدد باللجوء إلى الشرطة وسحب هاتفه بطريقة مسرحية واتصل بطرف لم نعرفه.. لكن لم يأت أحد! واختفى هذا المواطن بعد دقائق.
وفي الناصرية، طلب منّي أحدهم موافقة التصوير مُدعياً أنه يعمل في جهاز أمني، ببساطة طلبت منه إثبات عمله لنا، فرفع قليلاً من قميصه ليظهر من تحته مُسدس! قائلاً: هذا الدليل.. انا أعمل في الأمن وهذا مُسدسي! وانتهى الموقف باعتذار من أحد ضباط الشرطة عمّا بدر من هذا المنتسب (أبو مسدس).
ذكرت لها ايضاً حادثة تعرض فيها أحد مراسلي قناة الحرية الفضائية أثناء البث المباشر قرب ساحة التحرير في برنامج يستمع لشكاوى المواطنين، انتهى البث وأكتشف أحد المصورين أن محفظته قد سرقت واكتشف المراسل أن سلسلة كانت تحيط بعنقه قد اختفت!
بعيداً عن كل المعوقات الأخرى، الرسمية والأمنية والمخاطر التي يعمل فيها الصحفي في الشارع يضاف لها مزاج السلطات، لكن هذا النوع من التحرّش مبني أصلاً على جهل اجتماعي بأهمية الإعلام.. أو على الأقل بحريّة عمله وعدم التدخل بشؤون الآخرين الذين يمشون في الشارع.. الفضول والتدخل و"الحشرية" هي أمراض اجتماعية مثل أي مرض آخر.. ومرّات يتفاقم المرض ليصبح وباءً.. وان تعدّوا هذه الأوبئة فهي كثيرة.