المنبرالحر

عدالة التوزيع.. عماد الاقتصاد الناجح / ابراهيم المشهداني

اختلف المفكرون الاقتصاديون في تفسير الثروة، فمنهم من يعتقد ان الثروة مجموع قيم السلع والخدمات المتحققة في العملية الإنتاجية ومنهم من يضيف اليها الموارد المادية الخام التي تدخل في العملية الإنتاجية سواء كانت فوق الأرض ام تحتها، والبعض الآخر يرى ان الثروة تشمل كافة التوصيفات بالإضافة الى عنصر الموارد البشرية التي تلعب الدور الاساس في توظيف كل هذه الموارد في عملية اقتصادية متكاملة لانتاج الحاجات الإنسانية القابلة للاستهلاك او الاستثمار. وهذا التوصيف الاخير هو الاقرب الى العقلانية واكثر التعاريف شمولا، ذلك لان المورد البشري بعد ان كان يصارع الطبيعة من اجل إشباع حاجاته الضرورية، اصبحت له علاقة مزدوجة لم تقتصر على الطبيعة وإنما تعدتها الى علاقتها مع الانسان ضمن العملية الانتاجية.
والملاحظ ان الكثير من السياسيين في بلادنا يتحدثون عن العدالة الاجتماعية واصبحت في المواسم الانتخابية شعارا جذابا لاستقطاب الناخبين، ولكن ما ان تنتهي هذه الممارسة حتى تعود حليمة الى عادتها القديمة كما يقال في الامثال الشعبية. فيما تكون العدالة الاجتماعية بترابطها مع العملية الديمقراطية القاعدة الصلبة في التوجه نحو بناء استراتيجية تنموية مستدامة قادرة على معالجة الاختلال في التوازن الاقتصادي والعراق أحوج ما يكون إلى مثل هذه الإستراتيجية الغائبة عن نمط تفكير الحكومات المتتابعة التي تسببت بهدر مخرجات الثروة وإتلافها في مشاريع فاشلة وحرمان اكثر من 70 بالمائة من المجتمع العراقي منها.
ومن الحقائق الثابتة على مدى السنوات العشر الماضية، ان التخطيط للمستقبل يعتمد على الموازنات التخمينية السنوية، وكانت هذه الموازنات الأداة الوحيدة في توزيع الثروة التي تعتمد في 95 بالمائة منها على الإيرادات النفطية، وهذا التخطيط عبر هذه الأداة لم ينتج إلا طبقات طفيلية وبيروقراطية وطبقة تجارية كومبرادورية ساهمت مجتمعة وعن طريق فساد منظم في الاستحواذ على الثورة بشكلها المالي ولم تحظ الغالبية العظمى من المجتمع سوى الجوع والفقر والخيبات، ومع انتشار الفساد انتشر الارهاب سواء من خلال العلاقة المباشرة بينهما او من خلال البطالة وخاصة بين الشباب الخريجين الذين انحاز بعضهم بسبب الفقر وما صاحبه من غسل الدماغ، وعلى العكس من ذلك سجلت دول أمريكا اللاتينية أعظم تجربة في توزيع الثروة التي قادت الى تطور اقتصادياتها وتوسع التأييد الجماهيري لحكومات اليسار ونجاحها في قيادة بلدانها في ما نحن نلهث وراء الليبرالية الجديدة التي تزيد الفقير فقرا والغني غنىً.
ان التحدي الاكبر امام انتهاج سياسة اقتصادية ناجحة يتجلى في رؤيا خاطئة عاجزة عن ادارة الموارد الاقتصادية بصورة عقلانية تأخذ في الاعتبار الاستجابة لحاجات المجتمع الراهنة وخاصة الطبقات الفقيرة المحرومة من الموارد المالية المتاحة على امتداد الفترة الماضية ومراعاة الأجيال القادمة وهذا من صلب مسؤوليات دولتنا التي تمتلك كل أشكال الثروة. مما يتعين الانتقال الى معايير وتوجهات اخرى بعيدة عن آثار العولمة ونصائح مؤسساتها وهذا يستلزم:
* رسم سياسة تصنيعية تنظر بعين الاعتبار حاجات السوق وتقوم على دعم كافة القطاعات الحكومي والمختلط والخاص وحمايتها من المنافسة الخارجية وتدعيم قدرتها التنافسية بما يجعلها قادرة على استيعاب الطاقات المعطلة وتطوير خبراتها الانتاجية والاهتمام بقطاع السياحة باعتباره مصدرا مهما الى جانب المصادر الاخرى المشار لها في تمويل الموازنات السنوية.
* رسم الموازنات السنوية بما تضمن حصة الطبقات الفقيرة والعاجزين والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة ونسبة من الشباب العاطلين بما يجعلها قادرة على مواجهة عاديات الزمن من خلال تطوير الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات الكهرباء.
* تشريع قانون العمل والضمان الاجتماعي لمواجهة سياسات الهيكلة التي تصر عليها الحوكمة عملا بتوصيات المؤسسات الاقتصادية الدولية التي تقف وراء الكثير من الأزمات الاقتصادية في العديد من دول العالم.
* الابتعاد عن معايير التعيين في مؤسسات الدولة القائمة على أساس المحاصصة الطائفية الاثنية، الجهوية، العشائرية واعتماد مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب.
* ابعاد الطبقات الفقيرة عن مطبات سياسات التقشف التي تنوي الحكومة تطبيقها لما تعانيه من أعباء مركبة تحملتها طيلة الفترة الماضية واعتماد نظام الضرائب التصاعدية التي تشمل العوائل الميسورة التي استحوذت على أموال الدولة بمختلف الطرق غير المشروعة.