المنبرالحر

علــى ضفــاف السيرة، والذكريــات- القسم االخامس / رواء الجصاني

قيـمٌ، وعلاقات وصداقات، وما بينهما
"ذهـــب الناسُ من الدنيا بِمُلْـــكٍ ونعيــمِ، وذهبنا نحــن بـ"التاريخ" والذوقِ السليـــمِ" ..هكذا تكاد ان تنطبق المقولة الجواهرية عليك – ايها الرجل- فها أنت في احلى العمر! ولكنك خالي الوفاض من "ارصدة" و"اطيان" ولا تدري هل تفرح بتلك الحال، ام تنكفأ؟ ولا تقل تحزن لأن لديك في دنياك علاقات وثـقى، تزهو بها، وبيادر محبة تبادلتها مع الناس، اصدقاء ومعارف وغيرهم. فلتصدح إذن، مقلداً الخالد العظيم: حببت الناس كل الناس، من أظلمَ كالفحم ومن اشرق كالماس.
... وأفصحْ ايضا بأنك كنت، وما زلتَ - وتأمل ان تبقى- ترى من صميم الخلق السويم، الوفاء والاخلاص، وان جحد "البعض" ! فهكذا جُبلت بيتاً وعائلة وبيئة، وظروفاً وحياة... والآن كفْ عن المديح، ولا تنس ان ثمة من سيقول لك "من مدح نفسه ذمها" ولو انك لا تؤمن بذلك، ولك مبرراتك.. وتساءل مع نفسك –ايها الرجل- قبل الاخرين: هل ثمة رصيد ارفع واسمى من تكون مقرباً أول للجواهري، ولمحمود صبري؟ وان تكون لك صلات مودة وعلاقات خاصة متميزة مع عشرات باهرين - وقل مئات ولا تخفْ- جلهم أوفياء، رفاقاً وزملاء ومعارف واصدقاء واحباء.. وقد امتدت بل وترسخت تلكم العلاقات، ولم يفسدها خلاف الرأي، الا في حالات محدودة، والاستثناء يثبت القاعدة، أو ليس كذلك ؟!.
وما دام السرد قد بدأ، ولأنك متعدد الاهتمامات والانشغالات في حياتك العامة والعملية – ايها الرجل- فذلك هو رصيد علاقاتك وصداقاتك، متنوع هو الاخر، ومتوزع ومتشابك بين مثقفين وسياسيين متميزين، كما مع عشرات الادباء والشعراء والفنانين والاكاديميين والصحفيين، وزملاء ورفاق درب ونضال، ودراسة ومهنة، وطفولة وفتوة وشباب، في البلاد، ومختلف ارجاء المعمورة ... واعتذر منهم هنا من جديد، لأنك تبتعد عن التصريح، وإن عزّ عليك ذلك، لأنك عمدتَ في مجمل ضفاف سيرتك وذكرياتك، ألا تسجل اسماء الاحباء طالت اعمارهم، كي تبعد احتمال ان تنسى احداً او "تزعل" آخر في التقديم والتأخير، ولكي لا تفسح مجالا لمن يريد ان يتصيّد من اولئك الراصدين الخالين من همِ وشغل..
كما لا تتردد – ايها الرجلُ- إحترازاً من "حسد" هنا، او "تقول" هناك، فقد "تدبّغَ" جلدك من اولئك المتربصين، ورحْ وسجل امثلة وحسب، لمزيد من التوثيق والامعان في "التباهي" بأن من بين من تعتز، وتزهو بالعلاقة الوطيدة معهم، اولئك المنورين الذين كم استضافتهم شقتـك الصغيرة في براغ، وخلال فترة زمنية محدودة ليس الا، ولمرات عديدة، مجتمعين تارة، ومنفردين تارة اخرى، كالجواهري وثابت حبيب ورحيم عجينة وزكي خيري وشمران الياسري"ابو كاطع" وصالح دكلة وعادل مصري وعامرعبد الله، ومحمد حسين الاعرجي، ومحمود صبري، ومحمود البياتي، ونزار ناجي ... ولمن لم ينتبه، نوّه الى ان تسلسل الاسماء السابقة جاء بحسب حروف الابجدية العربية.
... وعن الاصدقاء والاحباء الذين طرزوا ارض الوطن، شهداء خالدين، فلا شك ان لهم سجل ذهبي، أنار– وسيبقى ينير- كل العراق، وأستذكارهم شرف لمن يوثق عن ذلك، فهم الذين يُشرفون، ولتتشرف – ايها الرجل- وتعدْ بأنك تتحفز لأن يكون لهم موقعهم الأميز، في المؤجل الارحب من تفاصيل ذكرياتك الموعودة، ولهم الفضل في ذلك، وليس لك ..
... وإذ قررت ان تؤجل الحديث عن الأهل والاقارب من أسرتي: الجصاني والجواهري، وغيرهما، في هذه المرحلة من "ضفاف السيرة والذكريات" .. فلتتذكر- ايها الرجل- بل وحذارِ ان يغلبك النسيان، علاقاتك وصلاتك مع احباء واصدقاء وزملاء ومعارف متميزين، فقدتهم الحياة مثل: حسين العامل وحميد المحل وجميل منير، وصفاء الحافظ، وطارق شريف، وعادل الربيعي، وعطا الخطيب، وعمر بوتاني، وغائب طعمة فرمان، وفؤاد سالم، وفراس الحمداني، وكمال السيد، ومحمد سعيد الصكار، ومصطفى الدوغجي، ومصطفى جمال الدين، ومصطفى عبود، وموسى اسد، وهادي العلوي، ويوسف الصايغ، ونمير حنا.. وجمع عزيز كثير اخر، ممن تعرفت عليهم، وامضيت اوقات ثمينة، حافلة معهم، طالت أوقصُرت، ومن بينهم من جاءت الاشارة اليه في المحطات التي سبقت، او لحقت، في الاجزاء الاخرى من هذه الذكريات والسيرة..
اما عن الاصدقاء والمعارف العرب، ممن قامت، او توطدت العلاقات معهم، فلهم سجل زاه ايضاً، منهم من تشاركت معه في مؤتمرات وندوات عربية وعالمية في مختلف عواصم ومدن الدنيا، ومن هم في أطر السياسة وفعاليتها، وعديد آخر في مجالس ومناسبات مختلفة، شيئ لك – ايها الرجل الموثق- ان تكون حاضرا فيها معهم، وبينهم ...
ترى هل أوفيت الحديث والاستذكار والتسجيل في هذه المحطات من ضفاف هذه الذكريات، والسيرة؟ ستكون غير وفيّ أو أمين لو اجبت ايجاباً. فالصداقة والصلات الانسانية لديك – ايها الرجل- مبادئ ومفاهيم وقيم تبنيتها عن قناعة بكونها الرصيد الاسمى للمرء في الحياة، وكمْ تعجبتَ، وتتعجب، وستبقى، من قدرة العيش دون الناس مهما كانوا، فكيف بالاقربين والابعدين؟ كما وكمْ وكمْ أعبتَ على أولئك الذين إنكفأوا فأبتعدوا - ومهما كانت المبررات- عن العيش دون حلاوة العلاقات الاجتماعية، وإن ترتبت عليها او بسببها مرارات أو اخرى، ولقد اصابك منها ما اصابك، ولكنك كنت تروح تهدئ النفس بحكمة ملهمك:
سامح القوم انتصافاً، وأختلق منك اعتذارا
علّهم مثلك في مفترق الدرب حيــارى!!!
وبالمناسبة فقد كان الجواهري العظيم يكرر، عندما كنت "اناكده" حين يسمح مزاجه، بأن له أعداء كثيرون، فيقول: من ليس له اعداء، لا اصدقاء له... ولقد عشت – ايها الرجل – عديدا من تلك الحالات، فتلقفك المتصيدون، وكم كنت اكثر لؤما منهم!! حين صفحتَ عنهم فراحوا يلمسون ما صنعوا، دون ان يدروا، او يدرون ولا يفقهون. وهكذا هي سنة الحياة، ولاسيما من شاءت له الاقدار، وشاء هو نفسه، ان يكون في عوالم الحياة العامة، متجاوزاً الذاتيات جهد ما استطاع. ولتزعم هنا من جديد – ايها الرجل- بأنك قد تعمدت وسعيت، وسلكت الطريق الاجهد، ولعل في باطن سريرتك تقول: إن الحياة معاناةٌ، وتضحيةٌ، حبّ السلامة فيها أرذل السبلِ...
--- يتبع