المنبرالحر

الليلة حلوة.. حلوة وجميلة / ابراهيم الخياط

ليلة رأس السنة الجديدة 2015، حلمت أني أمشي في أدغال افريقيا حيث الطبيعة الخلابة  والماء والخضراء ولا وجوه. كانت الأشجار من شدة كثافتها تحجب أشعة الشمس، وكانت التغاريد والزقزقات والعندلة والهديل والهزار والثغاء والرغاء والنباح والخوار والنهيق والزئير والصهيل والصياح ملء الغابة، كما كان العبير والشذا والاريج الاخاذ ينعش الأنف والقلب.
وبينما أنا مستمتع، منتش، أمشي الهوينى فاذا بي أسمع صوت ركض سريع. بدأ الصوت يزداد ويقترب ومعه عواء مخيف. التفتّ وإذا بذئب ضخم ينطلق بسرعة خيالية نحوي، ويبدو عليه الجوع الشديد من خصره الضامر، فأطلقتُ لرجليّ العنان والذئب يعدو ورائي بكل ما أوتي من قوة، وعندما اقترب مني جدا وصرت قاب فكيه أو أدنى لمحت بئرا قديمة على حافة الطريق النيسمي فقفزت اليها قفزة يحسدني عليها أبطال الساحة والميدان.
بصعوبة، أمسكت بحبل البئر، وما أن التقطت أنفاسي وهدأ روعي قليلا، طبعا بعد أن سكنت «طربكة» الذئب، فإذا بي أسمع فحيح ثعبان يتلوى في جوف البئر، وفيما أنا أفكر بطريقة أتخلص بها من الذئب والثعبان فإذا بفأرين أسود وأبيض يصعدان الى أعلى الحبل ويبدءان بقرضه، هنا ـ حقيقة ـ أصابني الهلع، وأخذت أهز الحبل بكلتا يديّ بغية أن يشرد الفأران، وأسرعت بعملية الهز حتى بتّ أتأرجح ذات اليمين وذات الشمال، واصطدمُ بجوانب البئر التي ـ ياللهول ـ نبتت فيها ـ فجأة ـ احدى عشرة شوكة غليظة تنفث السموم.
وأنا أحاول تلافي ما يمكن أن يكون أعظم مع شديد حرصي أن لا ينكسر رأسي، أحسست بشيء رطب ولزج يقع على وجهي. سحبت منه قليلا بلساني وتذوقته فما كان هذا الشيء الا عسل النحل، رأيته وهو يتساقط مدرارا من خلايا في جذوع الأشجار القديمة والمجوفة ومن الكهوف. أخذت لعقة أخرى وكررتها ثالثة وعاشرة، ومن شدة حلاوة العسل نسيت الموقف الذي صرت فيه. وفجأة استيقظت من النوم مع آذان أول فجر في العام الجديد!
بعد البسملة والحوقلة والحمدلة والتكبير، قررت أن أذهب الى من يفسر لي الحلم أو الاصح: الكابوس، لكن «بهلول» ضحك مني وسألني: ألم تعرف تفسيره؟ فلما نفيت معرفتي، قال لي: الذئب الذي جرى وراءك هو الرفيق الزيتوني، والبئر التي لذت بها هي ديار الهجرة والنزوح، والثعبان المتربص هو «العم سام»، والـ «احدى عشرة» شوكة مسمومة هي داعش، أما الحبل الذي تعلقتَ به فهو الاشعاع الذي بثه حشد الناس في احتجاجات ساحة التحرير شباط 2011، بينما الفئران القارضة هي المحاصصة المقيتة البغيضة.
سألته: والعسل يا «ابن سيرين»؟
أجابني: قطرات العسل هي الألعاب النارية التي غطت هواء الكرادة والسيدية وزيونة وشارع الربيعي والاعظمية والمنصور ليلة رأس هذه السنة التي اندارت على «بستة» يوسف عمر، وهي الالعاب التي رغم أنها تحمل صفة «النارية»، لكنها رسالة شبابية مترعة بالماء المدني.