«1»

تفرش أجنحة الذكريات ظلالها على روحك فيخيمُ هاجس مشوش الملامح، يظهر في صفحة منه حنينا وفي الصفحة الأخرى مقتا لكل تلك الذكريات، حنين لأيام الصبا والشباب حين ارتديت لأول مرة تلك الملابس الخاكية اللون والمعنى، وتصورت نفسك بطلا تدافع عن وطنك، ومقت لكل تلك الأيام وأنت تتذكر ذلك العريف الذي لا يعرف غير كتابة اسمه وهو يزجرك حين تخطئ في التسديد على عدو وهمي، حنين حين تتيقن أن وطنك الذي يعيش بين أضلاعك ترتهن حريتك بحريته والدفاع عنه، ومقت حين تتذكر أن انتماءك الحزبي وأنت جندي سوف يؤدي بك إلى الإعدام رميا بالرصاص مادام القانون يفرض أحادية حزبية

«2»

في رحاب تلك الذكريات تمر على روحك صورة تتكرر في اليوم الأول من كل عام، حيث يتجمع أمام مديرية التجنيد في مدينتك الجنوبية كل الشباب الذين أكملوا ثمانية عشر عاما وليس هناك من مبرر لتأجيل سوقهم الى الخدمة الإلزامية، وقد جهز كل واحد منهم لنفسه صندوقا خشبيا صغيرا يحمله على رأسه لكي يكون خزانة له في وحدته العسكرية، مثلما تتذكر تلك المرأة التي حين تكون قريبة من صف المساقين الى الجيش ترتفع زغاريدها تشجيعا وافتخارا، وحين تأتي إلى تجمع أمهاتهم تزيدهن بكاء ولطما على الصدور مادام الاعتقاد أن الالتحاق بالجيش يعني الذهاب إلى الموت.

«3»

ربما لم تتسن لك فرصة المساهمة في حرب خاضها الجيش العراقي ضد عدو أجنبي، ولكن التاريخ يحتفظ بصور مشرقة، وكانت حينها الصورة طبق الأصل حقا وبكل أوضاعها، جيش - بطولة، جيش - استبسال، جيش - إخلاص للوطن، جيش - حماة حقيقيون، بالرغم من ما اعترى هذه الصورة من تشويه حين استخدم هذا الجيش لقتل ابناء الوطن ومحاربة شعبنا الكردي.

«4»

السياسة كانت( وبالطبع ما زالت) تحمل للجيش جرثومة تشويه مهامه، فقد جعلت منه أداة قمعية لكل انتفاضات شعبنا، مثلما جعلت منه عربة للانقلابات العسكرية التي حصلت في وطننا، وآخر تشويهات السياسة للجيش كان حين اشترت أصوات أبنائه في جميع الانتخابات التي أجريت بعد التغيير في بلادنا، وهذه الصورة ليست طبق الأصل حقا

«5»

لقد تعددت الصور التي ليست طبق الأصل في جيش وطننا، ولكن الفضائيين هم أكثر الصور هشاشة وقبحا من كل تلك الصور والتي كان من نتائجها عدم استقرار الوضع الأمني في بلادنا، والانهزام المريع أمام قطعان داعش الإرهابية، وبالأمس تكون قد مرت على تأسيس جيشنا 94 سنة وهي سنوات تقارب تأسيس الدولة العراقية، والسؤال الذي يأكل في الخلايا هو هل يمكن أن يمحى فعل الماضي الناقص ليس لتكون صورة جيشنا طبق الأصل؟