المنبرالحر

ماذا حل بمشروع قانون الأحزاب في العراق ؟ / مصطفى محمد غريب

قانون الأحزاب الذي طالبت بإقراره العديد من الأحزاب الوطنية والديمقراطية وضمنها الحزب الشيوعي العراقي والعديد من منظمات المجتمع المدني، هذا القانون الذي يعتبر ركناً من أركان إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الذي ينعش الحياة السياسية أكثر فأكثر، ظل يراوح ما بين التأجيلات والرغبات والأمنيات، وفي كل مرة عندما يُعلن عن قرب تقديم مسودة مشروع قانون الأحزاب وطرحه على أعمال اللجنة القانونية في مجلس النواب يركل بدلاً من الركلة عشر ركلات إلى الخلف ويعود وكأنه حلم يراود الأذهان بدون تحقيق النتائج، وكنا نعرف الأسباب الحقيقية التي تهدف إلى تعطيل إقرار قانون الأحزاب أو حتى إلغاء انبثاقه بأي صورة كانت أو أية طريقة تمنع من تقدميه إلى البرلمان حتى أصبح تقريباً في طي النسيان ، واليوم والأحداث المتسارعة التي تجتاح العراق والاوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب العراقي نحاول العودة لهذا الموضوع القديم والمعلق أو المركون على رفوف البرلمان أو في أدراجه، وهذا الأمر يجعلنا أمام استفسار أو سؤال ومن حقنا أن نستفسر أو نسأل عنه
ــــ أين أصبح مشروع مسودة قانون الأحزاب ؟
وهنا نتذكر تقاعس البرلمان الذي يدار من قبل الكتل المتنفذة صاحبة القرار، ونتذكر الاعتراضات التي صاحبت طرح المشروع أو ما قيل حول عدم الإقرار والموافقة، وتبين أن وراء الاعتراضات ومحاولات ركل القانون في مقدمتها مصالح تخص الأحزاب والكتل صاحبة القرار ، والخوف من كشف مصادر التمويل التي تقدر بملايين الدولارات ،أو أن تفقد هذه الكتل السياسية التدخل في قرارات وأعمال الحكومة وكذلك الدوائر التابعة للدولة هذا التدخل الذي يتيح لها الكثير من فرص التعيينات وإجراء المحاصصات الوظيفية والمالية وغيرها أو الكشف عن قضايا تخص البرامج والانتماء والعلاقات مع قوى خارجية، أو دور الأحزاب والكتل السياسية والدينية في مشروع إقرار قانون الأحزاب وقيام الدولة المدنية، وبهذه المناسبة فقد صرح السيد سليم شوقي عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب(لوكالة اليوم الثامن) بتاريخ 3 / 1 / 2015 عن العديد من المحاولات التي تعتمدها الأحزاب والكتل السياسية لكي لا يتم إقرار القانون وأشار " هذا قانون الأحزاب مركون في رفوف المجلس منذ الدورة الماضية من دون أن يتم تفعيله لغايات سياسية تقودها بعض الكتل المتنفذة كونه يُحجم تدخلاتها بعمل الحكومة ومؤسسات الدولة ويكشف مصادر تمويلها لاسيما أن بعض الأحزاب تحولت إلى محال تجارية تعرض بضاعتها وفقا للمنطقة والمكون الاجتماعي الذي يتبعها "
أية مهزلة هذه!! " بعض الأحزاب تحولت إلى محال تجارية " هذا هو الحال وإذا صح الأمر فأقرأ على الوضع السياسي السلام، هذا هو تصريح عضو اللجنة القانونية لمجلس النواب، تصريح واضح وبدون تستر وهو توثيق لما قيل حول البعض من الأحزاب والكتل السياسية والدينية ومواقفها السلبية من تشريع قانون مهم جداً في حياة البلاد السياسية لأنه ينظمها ويحدد رؤية كل حزب وتكتل من خلال ما تطرحه في النظام الداخلي وفي برامج على المستويات كلها، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فضلاَ عن رؤيتها الآنية والمستقبلية لبناء الدولة المدنية التي يجب أن تكون إضافة لكونها دولة القانون دولة المواطنة التي تتساوى فيها حقوق المكونات القومية والعرقية والدينية بدون تمييز أو انحياز وبها تتحقق لأكثرية الشعب العراقي الحريات الشخصية والعامة والحياة السياسية الديمقراطية الحقة.
لقد أثبتت الوقائع أن البعض من التكتلات السياسية كانت تعرقل إقرار قانون الأحزاب وباعتراف عضو اللجنة القانونية سليم شوقي أن " الكتل السياسية هي من تعرقل إقرار قانون الأحزاب خشية فقدانها القدرة على التدخل مستقبلاً بعمل الحكومة ودوائر الدولة التابعة له " وفي كل مرة تطرح مسودة القانون تقوم البعض من الكتل بعرقلة حتى مناقشته لكي يتم تأجيله وفي كل تأجيل يطلب تعديله لكي يتم تأجيله وهكذا استمر الحال حتى أصبح الحديث أو المطالبة بطرح مسودة قانون الأحزاب في طي النسيان وبهذا نجحت هذه الكتل المتنفذة بحجبه وعدم المطالبة به، وفي الجانب الآخر أن القوى الوطنية والديمقراطية باتت رهينة لهذا الواقع المؤسف فنرى أكثريتها قد تناسته أو غضت النظر عنه بالالتفات إلى قضايا انتخابية ومطلبية وهذا لا يعني أن ذلك يشكل سلباً على توجهاتها ولكن عليها أن تعيد المطالبة وتشن حملة سياسية واسعة وبلا مهادنة لكي يتحقق إقرار قانون الأحزاب لان بقاء الحال كما هو.. أي حياة سياسية برلمانية بدون قانون للأحزاب سوف يضرها بالذات ويضر الحياة البرلمانية الديمقراطية، ويضر مئات الآلاف من المواطنين العراقيين،إن عدم سن قانون للأحزاب سيجعل الحياة السياسية والانتخابية رهينة للتزوير والتزييف والتدخل المباشر وغير المباشر واستغلال الأعلام الحكومي ودوائر الدولة والمؤسسات الأمنية وشراء الذمم والأصوات والرشوة وإطلاق الشعارات الطائفية والدينية المتطرفة.
إذا كانت اللجنة القانونية في مجلس النواب عازمة على " الانتهاء من مشاريع القوانين" فعليها أن تعيد الكرة لدراسة مشروع قانون الأحزاب وجعله من أولويات جدول أعمالها لأنه سوف يوفر الحماية القانونية للأحزاب الصغيرة ويحدد توجهات الأحزاب والكتل السياسية التي كانت ومازالت تتدخل بطرق مكشوفة وغير مكشوفة في مسيرة الحياة الانتخابية وتحاول أن تجعلها أسيرة لقراراتها وخدمة أهدافها، على اللجنة القانونية أن تدرك بان تأخير إقرار قانون الأحزاب ووضعه في أدراج مكاتب البرلمان سوف يضر العملية السياسية ويجعل البرلمان عبارة عن تابع للقوى السياسية والدينية والطائفية صاحبة القرار، ومثلما أكدت مقررة لجنة العلاقات الخارجية إقبال الماذي أن "عددا من القوانين ما زالت في أدراج المكاتب " فنحن نسألها وغيرها من أعضاء اللجنة القانونية
ـــ هل مسودة قانون الانتخابات أيضاً قد وضع في احد الأدراج كي لا يرى النور؟
ـــ كم من الوقت والزمن يحتاج لإخراجه ودراسته وتقديمه للبرلمان كي يتم إقراره؟
ـــ أم أن هناك تخطيط مسبق كي يبقى في الأدراج حتى تحل الدورة الانتخابية القادمة للبرلمان أو قد يبقى إلى الأبد في الأدراج؟
كل شيء محتمل ولكن الذي لا يحتمل استمرار التغاضي عن إقرار القوانين المهمة وتعديل البعض منها مثل قانون الانتخابات الذي مازال أعرجاً وغير مستقيم إضافة إلى قوانين العمل والضمان الاجتماعي والأحوال الشخصية وغيرها .. قد ننتظر الجواب مثلما انتظر بطل رواية كافكا أمام أبواب المحكمة سنيناً طويلة كي تفتح الأبواب.. ولكن هيهات!
مع ذلك نؤكد أن الدستور العراقي وفي الفقرة الأولى من المادة ( 39 ) اقر على " تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، وتكفل هذه المادة حق الانضمام إليها، ويتم تنظيم ذلك بقانون". والعجيب في الأمر هناك حوالي 30 حزباً سياسياً ينشط أكثريتهم وقسم منهم يقود الدولة ولكن دون وجود قانون للأحزاب يحدد مثلما اشرنا ضمناً المبادئ الأساسية للتأسيس وفي مقدمتها عدم معارضتها لبنود الدستور العراقي ووجود نظام داخلي يكشف عن هوية الحزب ثم الإيمان بالتداول السلمي للسلطة، ومعرفة مصادر التمويل المالي الضخم الذي يعتمد عليها الحزب، وعلى أن لا يكون ميليشيا عسكرية وأن لا يتبنى العنف ولا يؤمن بالتعصب القومي أو الديني أو الطائفي وينبذ الإرهاب حسب المادة رقم ( 7 ) من الدستور التي توضح بشكل جلي التوجهات المضرة بالبلاد وبوحدة الشعب العراقي .
على القوى السياسة الوطنية والديمقراطية وكل من يؤمن بعراق ديمقراطي تعددي أن يرفع صوته ولا يتراجع عن المطالبة بتقديم مسودة قانون الأحزاب لكي يتم إقراره من قبل السلطة التشريعية ( البرلمان ).