المنبرالحر

الموقف الواضح بات ضرورة لا تقبل التأجيل / مرتضى عبدالحميد

هزت جريمة تفجير مبنى جريدة «تشارلي ايبدو» الساخرة في باريس الرأي العام العالمي، وشكلت صدمة قوية لوجدان وعقول دعاة الحرية والديمقراطية في مختلف بلدان العالم. ومن هنا جاء حجم الإدانة والاستنكار لهذه الجريمة البشعة، كما لحجم التضامن مع الشعب الفرنسي وقيمه الإنسانية.
وكالعادة جرى الربط بين الإسلام والإرهاب، رغم الصياغات المهذبة للرئيس الفرنسي «هولاند» والكثير من قادة العالم، من ان الإسلام الراديكالي هو المسؤول عن هذه الجرائم، وهو منبع الارهاب، وان هؤلاء لا يمتون للإسلام بشيء، لكنهم شفعوا ذلك بأن طلبوا من المسلمين في مختلف البلدان بإدانة هذه الجريمة المروعة. وهو ما لم يحدث مع إرهابيي الأديان والمذاهب الأخرى!
وبصرف النظر عن ما نشر في تلك الصحيفة من سخف وإساءات للرسول الكريم وللدين الاسلامي عموماً، وهي مرفوضة قطعاً، ومدانة بأشد العبارات قوة وعمقاً، كان المفروض بكل العرب المسلمين، او غالبيتهم أن يبادروا الى إدانتها واتخاذ الاجراءات الكفيلة بعدم تكرارها، وفي النهاية القضاء على هذا الفكر التكفيري الظلامي، الذي لا يوقّر أحداً، وخصوصاً ابناء جلدتهم من العرب والمسلمين.
ولا محل هنا للادعاءات البائسة والخرقاء لنفر من الإعلاميين والمتزمتين في تبرير هذه العملية الاجرامية. فاذا كانت الإساءات المتعمدة من جانب الجريدة كما يدعي هذا النفر، هي التي أثارت حفيظة وضميري الأخوين «كواشي» ومعهم «كوليبالي»، فما هي يا ترى دوافعهم في العراق وسوريا وبقية البلدان، عندما يقطعون رقاب الرجال والنساء، ويقتلون الأطفال والشيوخ، وينتهكون الأعراض، وكل ما من شأنه الإساءة الى الدين الإسلامي الحنيف؟ وأين كانت غيرتهم عليه؟!
يجب التمييز والتفريق بين الإساءات وإن كانت متعمدة، وضرورة مقارعة الحجة بالحجة لدحضها وتسفيهها، وبين الإرهاب المنفلت وحملة لوائه من القتلة الذين لا ديناً ولا مذهباً ولا قومية لهم، وبالتالي يحتم الواجب الديني والإنساني التضامن ومساندة كل ضحايا هذا الإرهاب دون الالتفات الى أديانهم، او مذاهبهم، او ألوانهم، لأنهم بشر قبل كل شيء، والإنسان هو أعلى قيمة في الوجود.
إن فرنسا هي من بين الدول القلائل التي تتعاطف وتدافع عن العديد من القضايا العربية، وهي الدولة الغربية الوحيدة التي صوتت قبل ايام على اقامة دولة فلسطينية في مجلس الأمن، فهل المطلوب ان نخسر آخر ما تبقى لنا من مناصرين في هذا العالم؟
ولكي يكون باستطاعة العالم التفريق بين مسلم معتدل (مسالم) وبين آخر متطرف، لابد من اتخاذ مواقف حازمة من هذا الفكر الفاشي الذي يلبس لبوس الدين زوراً، ومن ممارساته الوحشية، وإلا سيخبو صوت الذين يدافعون عن الإسلام والمسلمين لصالح الذين يطالبون بتأديبهم، وقد اتخذت بالفعل إجراءات عملية في بعض الدول الأوربية وغيرها تتعلق بحرية التنقل والسفر... الخ.
علينا ان نعي خطورة المراوغة والسكوت عن تيار التطرف، خوفاً من الأقلية المتعصبة! فالحرص على الدين الإسلامي وقيمه السمحاء يتطلب التحلي بالشجاعة والوضوح في إدانة هذا الفكر العفن ونتائجه المأساوية.