المنبرالحر

بين المثقف العضوي والمثقف الطائفي .. العراق نموذجا / فراس كاظم عباس

المثقف لغةً :
مُثَقَّف اسم اسم مفعول من ثقَّفَ. جمع: ـون، ـات (مفعول مِنْ ثَقَّفَ) رَجُلٌ مُثَقَّفٌ: مُتَعَلِّمٌ، مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْمَعَارِفِ، أَيْ ذُو ثَقَافَةٍ رجل غير مُثقّف : ضعيف في المعرفة المكتسبة من الكتب.
النُّخْبَةُ الْمُثَقَّفَةُ: نُخْبَةٌ مِنْ أَهْلِ الفِكْرِ وَالثَّقَافَةِ.
الرَّأي العامّ المثقَّف: هو الرأي الذي يمثله المتعلِّمون سواء أكان تعليمهم عاليًا أو متوسِّطًا.
فالمثقف والثقافة - لغةً - مشتقان من مادة (ثقف)، والتي تدل - حسب ما جاء في معاجم اللغة العربية وقواميسها - على عدَّة معانٍ، منها: الحذق، وسرعة الفهم، والفطنة، والذكاء، وسرعة التعلُّم، وتسوية المعوجِّ من الأشياء، والظفَر بالشيء.
وعرَّف مجمع اللغة العربية (الثقافي) بأنه: " كل ما فيه استنارةٌ للذهن، وتهذيبٌ للذوقِ، وتنميةٌ لِمَلَكة النقد والحُكْم لدى الفرد والمجتمع "، ويتَّضح هنا ارتباط هذا التعريف بالدلالات اللغوية السابقة.
وتذهب إحدى الدراسات إلى: أن اللفظين العربيين (مثقف) و(ثقافة) يقابلان على التوالي اللفظين: (intellectual) ، و(culture) ذوَي الأصل اللاتيني، المستخدمينِ في اللغات الأوربية، وعلى الرغم من أن الاشتقاق العربي يُعِين على فهم العلاقة بين المثقَّف والثقافة، التي تمثل مجال فعله وتأثيره، ويشدد على الترابط بين الاثنين - فإن التفكير في دور المثقف وعلاقته بالثقافة ما يزال يتبع المعانيَ المولَّدة في الأدبيات الغربية ويحذو حذوها.
ومن الجدير بالذكر أن لفظ (intellectual) أقرب في معناه إلى كلمة (المفكِّر) ، لأن الكلمة مشتقة في اللغات الأوربية من كلمة (intellect)، أي : (الفكر)، بينما تحمل كلمة (culture) معنى (الرعاية والعناية)، فهي تستخدم حقيقةً للدلالة على الشروط التي يوفِّرها المزارع لنمو زرعه، وتستخدم مجازًا للدلالة على الشروط التي يوفرها المجتمع للنمو النفسي والعقلي لأفراده.
المثقف اصطلاحاً:
المثقف في المفهوم الاصطلاحي: ناقدٌ اجتماعيٌّ، " همُّه أن يحدِّد، ويحلِّل، ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام اجتماعي أفضل، نظامٍ أكثر إنسانية، وأكثر عقلانية "، كما أنه الممثِّل لقوَّةٍ محرِّكةٍ اجتماعيّاً، " يمتلك من خلالها القدرةَ على تطوير المجتمع، من خلال تطوير أفكار هذا المجتمع ومفاهيمه الضرورية ".
والمثقف يملك قدرًا من الثقافة التي تؤهله لقدرٍ من النظرة الشمولية، وقدرٍ من الالتزام الفكري والسياسي تجاه مجتمعه، وهو مبدع كل يوم، يستطيع بهذا الإبداع الثقافي أن يفصل بين محسنات القول وتجليات الفكر، بين الثقافة وعدم الثقافة ، بين التحضر والتطور ".
المثقف العضوي:
يرتبط هذا التوصيف بالمفكر والقائد السياسي للحزب الشيوعي الإيطالي (أنطوني غرامشي) فالمثقف العضوي عنده لا يختزل فهماً وتعريفاً في ذلك المثقف المرتبط بالجماهير فحسب، والراغب في التغيير، والذي يعمل من أجله، بل هو صاحب مشروع يتمثل في الإصلاح الثقافي والأخلاقي والاجتماعي، سعياً وراء تحقيق الهيمنة الثقافية للطبقة العاملة بصفة خاصة، وللكتلة التاريخية بصفة عامة، ككتلة تتألف في الحالة الإيطالية لعشرينيات القرن العشرين. من العمال بالشمال والفلاحين بالجنوب، والمثقفين العضويين الذين لهم القدرة على صياغة مشروع إصلاح ثقافي وأخلاقي وإرادة هزم الكتلة التاريخية القديمة المؤلفة من برجوازية الشمال وإقطاع الجنوب و"المثقفين التقليديين"، أصحاب المشروع الفكري المحافظ والإيديولوجيا السياسية اليمينية، المرتبطين بالكنيسة والإقطاع.
وعليه فإن غرامشي يرى أن السيطرة محكوم عليها بالسقوط إذا لم تقترن بالهيمنة، ولذا فإنه دعا الحزب الشيوعي إلى ممارسة حرب المواقع- الهيمنة، وذلك قبل الثورة وبعدها، أي قبل امتلاك وسائل السيطرة وبعدها. لذا دعا غرامشي الحزب الشيوعي الى خوض (حرب المواقع)، معركة الهيمنة لاكتساب المجتمع المدني، أي إقناعه وقيادته قبل الاستيلاء على السلطة السياسية، والاستمرار بذلك حتى بعد استيلائه على السلطة السياسية، وتهتم تلك الهيمنة الإيديولوجية بخلق نخبة من المثقفين، فالكتلة البشرية لن تتميز، ولن تصبح مستقلة بفعل إرادتها من دون تن?يم بالمعنى الشامل، وليس هناك من تنظيم بلا مثقفين على حد قول غرامشي.
يذكر لينين في كتابه (ما العمل): " إنه في الحزب الثوري ينبغي أن تمحى ( كافة الفروق بين العمال والمثقفين)، ويرتبط موقف لينين من قضية المثقفين ارتباطاً وثيقاً بنظريته في الحزب الطليعي، وعندما كتب عن الحاجة الى نقل الفكر الاشتراكي الى الطبقة العاملة من خارجها، كان يتطلع الى القيام بهذه المهمة لا الى (الانتلجنسيا) التقليدية، وإنما الى الحزب الثوري ذاته، الذي ينصهر فيه العمال والمثقفون المحترفون في وحدة واحدة متماسكة.
لقد طور غرامشي هذا التصور اللينيني بربطه بقضايا الطبقة العاملة ككل. فالطبقة العاملة شأنها شأن البرجوازية قبلها قادرة على أن تنمي من داخل صفوفها مثقفيها العضويين، ووظيفة الحزب السياسي، سواء كان طليعياً، أم جماهيرياً، في أن يكون قناة لنشاط هؤلاء المثقفين العضويين للطبقة العاملة، وهو دورهم في الإنتاج وفي تنظيم العمل من جهة، ودورهم القيادي السياسي الذي يتركز في الحزب من جهة أخرى. إذن فالمثقف العضوي عند غرامشي هو المرتبط بطبقة سياسية صاعدة مهيمنة، وأن يمنح هذه الطبقة انسجامها ووعيها المطابق.
وانطلاقاً من هذه الرؤية ، يمكن اعتبار مثقفي التنوير الأوربي، كفولتير، وجان جاك روسو، ومودنكيو مثلاً ليبراليين حقيقيين، وبالتالي ينطبق عليهم التوصيف الغرامشي، بأنهم مثقفون عضويون، لأنهم ارتبطوا بصعود البرجوازية كطبقة صاعدة وثورية في مرحلتها التاريخية، مثقفو التنوير هؤلاء لم يعملوا فقط على نشر قيم الحرية، التقدم، العلمنة، العقلانية، بل خلقوا وعياً بها .
المثقف العضوي ودوره التاريخي في العراق:
من المؤكد أن بنية التخلف داخل المجتمع العراقي بكل أشكاله السياسية والثقافية والاجتماعية، أثّرت على الشكل العام منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن العشرين. بيد أن التبعية للسيد في ظل الهيمنة البريطانية شوهت كل إمكانية للتطور التاريخي الطبيعي، وامتلاك الهوية الخاصة المستقلة، حيث ظلت الكلمة الأخيرة دائماً للسادة البريطانيين ومدراء شركة نفط العراق ورجالهم المحليين الذين ينفذون رغباتهم على حساب الشعب العراقي.
لقد مارس السادة البريطانيون أسوء أشكال القمع والدكتاتورية وتزييف الديمقراطية والحياة البرلمانية، وتحريم الأحزاب الوطنية، والاستناد على شيوخ العشائر الأميين. أضف الى ذلك الجهل والأمية والتخلف عن ركب الحضارة، فضلاً عن الوضع المأساوي للفلاح ووضع الطبقة العاملة، ووضع المرأة في المجتمع . كل هذه العوامل أدت الى ولادة (المثقف العضوي)، ذلك المثقف الذي أرتبط عضوياً بالمجتمع. فقد أدى دوراً طليعياً وريادياً هاماً ومميزاً في تاريخ العراق السياسي الحديث، وفي التثقيف السياسي والإيديولوجي، والتعبئة الفكرية، وتحريض الجماه?ر الشعبية المسحوقة والكادحة على المقاومة والمواجهة والنضال الوطني والطبقي ضد القهر والظلم والتعسف والاستبداد والاستغلال الرأسمالي الفاحش، وتجنيد الطاقات والقوى النضالية والفكرية وتوحيدها في معارك الخبز والحرية والديمقراطية والكرامة والاستقلال الوطني.
ويعد الحزب الشيوعي العراقي أحد أبرز وأهم الأحزاب اليسارية العريقة على الساحة السياسية والحزبية والتنظيمية العراقية، وقد سبقه تشكيل الحلقات الماركسية من قبل عدد من المثقفين العضويين النخبويين الذين تأثروا بالأفكار التقدمية لآباء الماركسية ـ اللينينية، التي تسلحوا بها واعتنقوها اعتناقا فلسفياً وجدلياً. وراح هؤلاء المثقفون من حملة الفكر الإنساني والعمالي الطبقي الإيديولوجي الماركسي يؤسسون العديد من الحلقات الماركسية على امتداد العراق، وذلك بهدف شحن الجماهير وتجذير وتعميق أفكار الحرية والتقدم والديمقراطية والثورة الطبقية على الظلم والاستغلال والاستلاب. لقد مهد هذا النضال الاجتماعي من قبل المثقفين العضويين الأرضية وأرسى الأسس المادية لقيام تحول اجتماعي كبير في تاريخ العراق المعاصر تمثل بثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 وقيام الجمهورية العراقية. لقد أحدثت الثورة تحولاً جذرياً في البنية الاجتماعية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي كما أن ثورة 14 تموز قد أرست الأسس المادية لنهضة حضارية ومشروع حداثوي، وقد مثل قانون الإصلاح الزراعي وما حققه من تغيير في شكل الملكية الزراعية وتصفية أسس النظام السابق وإرساء علاقات?جديدة وإلغاء قانون العشائر، وقد كان قانون الأحوال الشخصية هو الآخر من أهم الانجازات، فقد أعاد الاعتبار للمرأة وفسح المجال أمامها لتؤدي دورها الكامل في بناء المجتمع ومساواتها بالرجل، كما أحدثت الثورة تحولاً كبيراً على المستوى الاقتصادي والثقافي والجمالي والقانوني والفكري. إن هذه الانجازات كانت ثمرة نضال هؤلاء المثقفين العضويين الذين ناضلوا من أجل بناء مجتمع جديد كما قال (كارل ماركس): " إن الثورة هي القابلة التي تقوم بولادة المجتمع الجديد ".
المثقف الطائفي :
إن ما يسود اليوم في المجتمع العراقي هو نموذج المثقف الطائفي حيث ينتمي أغلب المثقفين الطائفيين الى فئة المثقف التقليدي، وهو النوع الثاني الذي خصه غرامشي عندما عرف المثقف.
إن المثقف الطائفي ينحدر من أوساط البرجوازية والبرجوازية الصغيرة ريفية ومدنية، وميسورين، وتجار وصغار تجار، وملاك، وفلاحين، وموظفين، ورجال دين، فالوعي الذي يبثه وينشره، وعي غيبي، ظلامي، سلفي، يجري تكريسه ودعمه من قبل السلطات الحاكمة، التي تنتمي هي أيضاً الى البرجوازية بسبب صيرورتها. وبفعل التناقضات والظروف التي أغنت هذه البرجوازية واستفادت من شكل البيروقراطي المعلق، وتحولت الى برجوازية مسيطرة، وبالتالي خلفت أجهزتها ومؤسساتها وأحزابها ومثقفوها لتهيمن بأيدلوجيتها الشمولية. والمثقف الطائفي حسب فكر غرامشي هو المثقف التقليدي الذي جرى إخضاعه من قبل السلطة الحاكمة. وتكمن مهمة المثقف الطائفي في خلق وعي طائفي مهمته تأبيد النظام الطائفي القائم. حيث يوهم الفكر الطائفي أن الطائفة هي كيان قائم بذاته، وإن الأديان والمذاهب هي القواعد الأساسية التي يبنى عليها المجتمع لا الطبقات الاجتماعية. ويقوم المنهج الطائفي أيضاً على أساس تغييب الاقتصادي واستبداله بالديني، وإعطاء الدور الديني الدور الحاسم في التغيير الاجتماعي، وتغييب الاقتصادي هو العمود الفقري في هذا المنهج. وهكذا تنتفي عند المثقف الطائفي الحركة التاريخية للمجتمع من حيث هي حركة الصراعات الطبقية. لذا يكون تحليل المثقف الطائفي تحليلاً انطولوجياً أكثر منه تحليلاً اجتماعياً تاريخياً، حيث تختفي العلاقات التي تربط الظاهرة السياسية بالقاعدة المادية، أي بقاعدة علاقات الإنتاج القائمة، فتختفي بالتالي العلاقات التي تربط السلطة السياسية بالطبقة المسيطرة فتحددها كسلطة طبقية، وتغييب الاقتصاد يقود السياسي نفسه إلى حركة الصراع بين الطبقات. إن الفكر الطائفي لا يتحمل وجود أي عامل طبقي، بل هو بذاته نابذاً له. ووجود النظام الطائفي مرهون بنوع معين من الوعي الاجتماعي يكون ملائما لوجوده، والوعي الطائفي هو الوعي الذي يرى في وجود النظام السياسي الطائفي ضرورة اجتماعية، يمليها المجتمع التعددي.
ويخلط أصحاب الفكر الديني، الطائفي بالسياسي ليكون له وظيفة إيديولوجية محددة، و هي تسخير الأول الديني لخدمة الثاني السياسي بهدف تأبيد النظام السياسي القائم، حيث يجد الفكر الطائفي المشكلة الطائفية في الدين، ونجد بالتالي أصولها أو جذورها التاريخية في الدين، والدين قائم في الغيب، بحكم التاريخ من خارج التاريخ، لا في بنية علاقات الإنتاج القائمة. إن السلاح المفضل لأصحاب الفكر الطائفي هي التمويه، ويكون التمويه بطرق شتى، ومنها الخلط بين الأشياء، فالفكر الطائفي يستغل هذه المسألة بمهارة في معظم نصوصه. ويوهم أصحاب الفك? الطائفي إن الممارسات السياسية للطوائف هي ممارساتها الدينية والعكس بالعكس، وإن الطائفة لا يمكن لها أن تقوم بممارساتها هذه التي هي عبادات ومعتقدات، إلا إذا كان النظام السياسي طائفي .
إن شروط وجود السياسة الطائفية هو بالضبط الغياب السياسي للنقيض الطبقي للبرجوازية الطائفية المسيطرة، أي عدم تكون الطبقات الكادحة كقوة سياسية مستقلة في حقل الصراع الطبقي، وتحرك السياسة الطائفية بالتالي في هذا الحقل كطوائف، والنظام السياسي الطائفي يقطع الطريق أمام أية قوة سياسية مستقلة تمثل الطبقات الكادحة التي تسعى الى بناء المجتمع المدني القائم على أسس المواطنة والعدالة الاجتماعية.
دور المثقف الطائفي في المجتمع العراقي بعد 2003
بعد سقوط النظام الدكتاتوري في نيسان 2003 إبان احتلال العراق من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وانهيار الدولة العراقية، وتدمير المؤسسات الحكومية، وجراء بناء عملية سياسية قائمة على أساس المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقسيم المجتمع على أسس طائفية وقومية، وطمس الهوية الوطنية الجامعة لصالح الهويات الفرعية. فقد كانت هذه البداية واللبنات الأولى لتأسيس مشروع طائفي في العراق يعتمد على أساس المكون الطائفي لا المواطنة. هذه الأحداث وفّرت البيئة والمناخ الملائم لدور المثقف الطائفي في ظل هذا الواقع القائم? فقد تشكلت منظومة ثقافية وإعلامية ودعائية متكاملة لخدمة هذا المشروع، مدعومة من قبل أحزاب السلطة الطائفية للسيطرة على السلطة والثروة في المجتمع. وقد كان للمثقف الطائفي في هذه المنظومة الدور المحوري في تظليل الرأي العام، وقلب الحقائق، وتغييب الجانب الاقتصادي واستبداله بالطائفي، وإعطاء الجانب الطائفي دورا حاسما في التغيير الاجتماعي وإخفاء الصراع الطبقي واستبداله بالصراع المذهبي والمظلومية التاريخية للطائفة، وخلط السياسي بالديني، و مهمة المثقف الطائفي هي خلق نوع معين من الوعي.
إن المشروع الطائفي هذا بدأ يجهز على كل القيم الوطنية والإنسانية والحضارية التي ترسخت في المجتمع العراقي منذ عقود طويلة. وما الدستور الحالي إلا بداية لهذا المشروع الطائفي، فالدستور هذا كتب على أساس المكون لا على أساس المواطنة، وكثير من موارده تحد من الحريات، والحريات العامة والخاصة للمواطن العراقي وتخضعها لأحكام الدين، وهي حمالة أوجه، متعددة في النص الواحد، وتقف حجر عثرة أمام أية حقوق مدنية أو حريات ديمقراطية للمواطن، كما يحد من الممارسات الحضارية التي يمليها عصرنا الحاضر. ولا ننسى عندما رفض القائمون على كتابة الدستور أن تكون هناك مادة في الدستور تجعل من اللوائح العامة لحقوق الإنسان مرجعية لهذا الدستور. لقد سعى المثقفون الطائفيون الى الترويج لهذا المشروع الطائفي ليكون بديلا عن المشروع الوطني المدني العلماني، وقد سعى هؤلاء المثقفون إلى خلق وعي طائفي بذلك، وتدمير كل المنجزات المدنية التي بنيت وترسخت في المجتمع العراقي بعد ثورة 14 تموز 1958. وما كان (قانون الأحوال الشخصية الجعفري)، الذي سعى المثقفون الطائفيون للترويج له وتسويقه إلا حلقة من حلقات المشروع الطائفي للسيطرة السياسية لتأبيد النظام القائم.
المثقف العضوي وإمكانية بناء مشروع وطني
بما أن السيادة اليوم للمثقف الطائفي المرتبط ارتباطا عضويا بالنظام السياسي الطائفي القائم، صار لا بد من وجود بديل لهذا النظام السياسي، والذي يمثل الرافعة لهذا لمثقف كما يقول " عبدالمنعم الأعسم "، ونقيض هذا المشروع الطائفي هو المشروع الوطني المدني الديمقراطي العلماني، الذي يؤدي فيه المثقف العضوي دور المحور. فلا بد من تأسيس كتلة تجمع الأحزاب العلمانية والشيوعية والليبرالية والمدنية والبروليتاريا والفلاحين والقوى الاجتماعية الديمقراطية والنقابات العمالية والجمعيات المهنية واتحادات الطلبة والشباب والنساء والكادحين، فإن هذه الكتلة يمكن أن يكون لها دور تاريخي في تأسيس نظام جديد ودولة عصرية وديمقراطية.
ــــــــــــــــــــــ
مصادر البحث :
- مهدي عامل، في الدولة الطائفية، دار الفارابي، بيروت.
- فاضل عزاوي، الروح الحية، دار المدى، بيروت.
- حوارات في القومية والاشتراكية والديمقراطية، دار الفارابي، بيروت.
- حنا بطاطو، الحزب الشيوعي العراقي ج 2، الدار العربية للدراسات والنشر، بيروت