المنبرالحر

التحالف البرلماني المطلوب الآن وغدا / علي عبد الواحد محمد

الحديث عن التحالفات يؤدي بالضرورة الى الحديث عن الجبهات الوطنية ، التي تعتبر لبنات اساسية في استراتيج وتكتيك الأحزاب الشيوعية ،حيث إنها وضعتها موضع التطبيق في بنائها التنظيممي الحزبي، فالحزب نفسه يمثل التحالف الطبقي بين العمال والفلاحين، وهو تحالف استراتيجي، يعبر عن الترابط بين المصالح الطبقية لكلا الطبقتين والطبقات الأخرى التي تخضع مصالحها لمصلحة الطبقة العاملة، على إعتبار إن تحرر الطبقة العاملة من قيودها الطبقية يعني تحريرا للمجتمع بأسره ، وهي بهذا المعنى ، تشكل العنصر الهام في إستراتيج الحزب وفي تاكتيكه وفي بنائه. وفي إطار السياسة العامة دأبت الأحزاب الشيوعية ومنها بالطبع الحزب الشيوعي العراقي ، على انجاح قيام الجبهات الوطنية الديمقراطية ، لأهميتها في حشد القوى المجتمعية للتصدي للمهمات الوطنية والديمقراطية ، ويعتبرالحزب الشيوعي العراقي اول حزب عراقي يطرح موضوعها وبشكل مبكر على صفحات جريدته القاعدة وفي كراس الجبهة الوطنية طريقنا وواجبنا التاريخي ، مستوعبا اهميتها وضرورتها . (ولكي يتم إستيعاب تجربة الحزب الشيوعي العراقي في هذا المجال ، راجع موضوعات سياسية وفكرية معاصرة للمؤلف جاسم الحلوائي (ص 33) "تجربة الحزب الشيوعي العراقي في مجال التحالفات السياسية ودروسها 1934 -2014" الطبعة الأولى منشورات موقع الناس الألكتروني ).
الجبهات الوطنية والتحالفات على إختلاف انواعها وازمانها تحتمها الحاجة اليها كأداة لانجاز مهام سياسية واقتصادية وإجتماعية معينة او يقتضيها ظرف طارئ او مزمن ، هذه الأداة التي تعي القوى السياسية والإجتماعية في البلد المعني على اهمية وجودها لتكون وسيلة عملها لإنجاز هذه المهام او مواجهة الظروف الطارئة ، مع احتفاظ كل قوة منها بإستقلالها التنظيمي والسياسي والفكري والتزامها ببرنامج التحالف وقواعد العمل المتفق عليها ، لإن من صفات البرنامج المشترك للتحالف ،هو الإتفاق على القواسم المشتركة في السياسات ، وليس الإتفاق على نقاط الإختلاف ايضا. ويحق لأي حزب داخل في التحالف المعين ، إقامة تحالف آخر او تحالفات اخرى خارج نطاق التحالف الأول، طالما لا تضر بنود الجديد في التحالف الأول . ولنا في تجربة التحالفات في العراق خير مثال ، ففي جبهة عام 1957 دخل الحزب الشيوعي العراقي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ، في اتفاق ثنائي ، خارج نطاق جبهة الإتحاد الوطني، التي كان الحزب الشيوعي العراقي احد اعضائها، ولم يكن الحظب الديمقراطي الكردستاني عضوا فيها. ومعروف دور هذه الجبهة في اسقاط النظام الملكي في العراق عام 1958م.
الجبهات على انواع حسب اهدافها الذي ابرمت من اجلها ، فهناك جبهة للهدم! اي انها تقام لهدم شئ قديم، كالجبهة التي تعقد لإسقاط نظام معين ، وهناك جبهة للهدم والبناء، كالتي تقام لإسقاط النظام المعين ومن ثم الشروع ببناء النظام الجديد ، ويقرر برنامج البناء وشكل تطبيقه التوازن الجديد الحاصل بعد إسقاط النظام القديم ، او يتم البناء على اساس الإتفاق القديم ، ارى إن ذلك يتقرر وفق الظروف الجديدة .وهناك الجبهات الشعبية التي تظم كل القوى لمواجهة خطر ما يهدد امن البلاد وربما سيادتها وحريتها.
الجبهات البرلمانية :
في التاريخ الحديث تكونت جبهات برلمانية، ومنها (التحالف البرلماني) في عام 1954م الذي اوصل 10 نواب ديمقراطيين في إنتخابات حرة لم يتحمل وجودهم نوري السعيد انذاك فتم الغاء نتائج الإنتخابات وحل المجلس . وفي الوقت الحالي يشهد مجلس النواب عددا من الكتل النيابية، التي تشكلت على اساس تحالفات بين قوائم إنتخابية مختلفة لتكوين اغلبية تسند اليها رئاسة الوزارة، وباقي مؤسسات الدولة وإداراتها وقياداتها فتكونت الكتل البرلمانية وفق تحالفات تميزت بالولاء للمذهب والطائفة والقومية اكثر منها ولاءات تضع المصلحة الوطنية العراقية في مقدمة مهامها وتوزعت المناصب وفق المحاصصة لا على اساس آخر. وإن هذه التحالفات والتكتلات لم تجنب الدولة العراقية مصاعبها ولم تسهم في درء المخاطر المتفاقمة، بل إن نظام المحاصصة الطائفية - العرقية عجز عن مواجهتها عند حدوثها وتفاقمها، وظل شبح تقسيم البلاد مخيما لاسيما بعد قيام داعش بإحتلال مناطق واسعة امتدت من حدود كردستان قي الشمال الى حدود بغداد في الوسط مرورا بالأنبار وديالى واجزاء من بابل، والذي زاد الطين بلة ارتفاع التكاليف المالية لمقاتلة داعش ، بنفس الوقت الذي إنخفضت فيه اسعار بيع البرميل الواحد من النفط الخام عالميا، فكما معروف أن بيع النفط الخام يشكل المصدر الرئيسي، إذا لم يكن الوحيد للدخل القومي في العراق،مرتبطا ذلك بالعمليات الكبرى لنهب المال العام وللفساد الإداري الذي يشكل بلا ادنى شك الوجه الآخر للإرهاب ،فالخشية الآن ان تشمل إجراءات التقشف الشريحة الواسعة من ابناء وبنات الشعب العراقي الفقراء،ويبقى الناهبون بعيدا عن هذه الإجراءات.
طرحت العديد من المقترحات لتجاوز الأزمة، وهي صحيحة في محتواها وتحديدا منها المقترحات الإقتصادية المتعلقة بترشيد الإنفاق الحكومي والإقتصار على الضروريات، وكذلك المتعلقة بالسياسة النفطية من خلال اوبك الواردة في حلول وزير النفط لأزمة إنخفاض اسعاره. وارى ان يرافق ذلك حملة عامة يتبناها التيار الديمقراطي ومؤازروه وكل القوى الحريصة على مستقبل العملية السياسية، حملة تمتد من البرلمان الى كل مدن العراق يرافقها مقترحات واقعية لإجراءات إقتصادية وسياسية وإجتماعية لمواجهة خطر شحة الموارد المالية القائم والقادم، والدعوة لإقامة ائتلاف بين الكتل البرلمانية هدفه الرئيسي مواجهة الفساد المالي ونهب الدولة إضافة للأهداف القائمة في مكافحة الإرهاب وتعزيز سلطة الدولة وتعزيز إستقلالية القضاء وإستقلال السلطتين التشريعية والتنفيذية وتعزيز الرقابة والراي الحر، وادعو ان تقوم الصحف والمواقع الألكترونية ومنظمات المجتمع المدني بادوارها المعهودة في إنجاح مهمات هذا اٌلإئتلاف . وأن يتطور هذا التحالف مستقبلا ليتصدى للمهمات المستقبلية الأخرى.