المنبرالحر

المرأة.. عيد اللغة / قيس قاسم العجرش

تحكي لي شبكة الضوء(الانترنيت)عن أجمل عشر قرى حول العالم، أحلى خمسة مطاعم حول الارض، أخطر الأماكن لمرور الشاحنات في العالم! أحلى الأماكن لتمضية الربيع في القارات.. وكلها تحمل مصاديق صورية وربما مقاطع فيديو تؤكد أن المكان ينطبق عليه القول.
مدهوشاً كنت حين ميّزت احدى البحيرات من صورتها باعتبارها أجمل الاماكن في قارة بأكملها، وتذكّرت حين جلست على شاطئها انها لم تكن بالجمال الذي تكتبه الصورة مثل الشعر. لكن الصورة التي امامي تبقى جميلة! فافترضت أن ذاكرتي عنها هي التي نالها القبح لاحقاً.
وحين تمس(قضية) الجمال وتقييمه مساحة النساء، تظهر لنا اختلافات الشعوب في أحكامها وآرائها في سحر حواء وبناتها، بل حتى البدانة والمقبولية تصبح لها مقاييس أخرى. فكل الشعوب لديها وهجها الخاص في تزيين المرأة ورواية المثال الأسمى للجمال الذي تعتمده.
العرب على سبيل المثال نراهم يعقـّدون الأمور بعض الشيء لأن اللغة، وهي أداتهم الوصفية، إنما تميل الى الزخرف والتفلسف بعض الشيء.
فنرى تراثنا العربي يتحدث عن المرأة بشيء من عضلات اللغة أكثر مما يستعرض المحاسن فيها وفي جمالها، فهذه فتاة هيفاء إن كانت مُستوية البطن وتلك رقراقة إن كانت نظِرة الوجه، وأخرى عطبول إن كانت ذات عنق طويل بتناسق وحسن. ثم تتحدث اللغة عن إمرأة شموع (بفتح الشين) وهي من كانت خفيفة الظل مرحة تهدي مُجالسيها البهجة. وعن إمرأة قسيمة وهي من نالها حظ كبير من الحسن في ما لم تدركه قريناتها. وربما تستمر هذه الإحتفالية اللغوية بوصف الجمال الى مجاهيل وكهوف لغوية نادرة لم تخطر إلا على بال الشعراء، المُتعنت منهم فقط في غياهب الكلام وإيراد غريبه.
في الإنكليزية القديمة نجد شيئاً من هذا الإنبهار باللغة والموصوف معاً وهي المرأة الجميلة، وجدت جملة أدبية قديمة تصفها بأنها إمرأة قطيفة (إيمرانث)! أي التي يزيد ملمسها الحنون من جمالها، والكلمة ذاتها نجدها في الألمانية مع تغيّر بسيط في اللفظ، إلا أن الدلالة هي ذاتها.
وعند وليم شيكسبير، نجد مغامرات من هذا النوع في صوغ كلمة تتسلق، من اجل وصف جمال إمرأة. ففي (هاملت) يستخدم تعبيراً لوصف مكوث الجمال في نفسه بعبارة:(أنت..في قلب كل ما أملك من قلوب) وهي ترجمة حرفية قد تقابلها في العربية عبارة:( في اقصى ما لدي من أعماق في روحي).
إذن، لم تحتفل اللغات والمواريث الحضارية بجمال قدر احتفالها بالمرأة ..وليس أجمل من هذه الأوصاف إلا رجل يجتهد في إيرادها ويغمر اسماع إمرأة بها.