المنبرالحر

سبحان مغير الأحوال / جواد وادي

إن خير استهلال يمكن أن يتصدر هذه المساهمة هي مقولة الإمام علي (ع) ومفادها:
"اعلم أن الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك، فان كان لك فلا تبطر، وان كان عليك فلا تضجر"
يظل التشفي والغل ومراقبة ما يؤول له مسلسل الرعب اليومي في العراق من قتل وتدمير ومفخخات وقطع الرؤوس وسبي الصبايا والقتل الجماعي للأبرياء، من قبل داعش ومجرمي البعث وكل فلول الاجرام القذر، من كل الأطراف الحاقدة والمباركة لهذه الأفعال الشنيعة ضد شعب مسالم وشقيق، صفحة سوداء في سلوكيات العديد من الأخوة العرب، كموقف أردني، في جزئيته، وعربي بشكل عام، وما آلت إليه أوضاع العراق بعد سقوط الصنم واندحار حزب البعث الفاشي، لتظل الضغينة والتشفي والأحقاد التي لا نعرف لها مبررا معقولا، واقع حال هؤلاء الأخوة العرب، وبقي مشروع تصفية الحساب مع الشعب العراقي قائما ومدعوما بشكل يومي وعلى جميع الأصعدة، الجماهيرية والإعلامية، بشن حملات تشهير للوضع الجديد واطلاق شتى التوصيفات الظالمة، وكأن المقبور صدام وأزلامه، هم الوطنيون، وباقي أعدائه ممن لفحت جلودهم نيران القمع اليومي المخيف، هم الخونة والمتآمرون. ولا نعرف المعايير التي اعتمدها العرب المؤازرين للبطش البعثي في هذا التصنيف السريالي الغريب، فكانوا يسدون وما زالوا كل مجساتهم باتجاه ما كان يفعله الطاغية بحق الأبرياء من قتل وتصفيات وتهجير وملاحقات واعدامات وابادة جماعية بكل الأسلحة المحظورة وغيرها، في الوقت الذي كانوا يخرجون زرافات ووحدانا ما أن تقترب من أحد منتسبي هذه الأحزاب، دينية كانت أم قومية أم يسارية، كما كانوا يطلقون على أنفسهم واليسار برئ منهم، سياط الحكم في بلدهم، مما جعلنا هذا الموقف الازدواجي الغريب وغير المفهوم في حيرة ودهشة وتساؤل!!
لماذا هذا التفريق بين قسوة وقسوة، وظلم وظلم، وقمع وقمع، وطاغية وطاغية؟
ففي عراقنا كان القمع بنظرهم مبررا، في حين كان ذات القمع مدانا ومرفوضا، وينعتونه بشتى التهم.
كنا نحن المقيمين في المغرب دائما نوجه هكذا تساؤل للقوى التي تدعي أنها يسارية وتقف إلى جانب الدفاع عن حقوق الانسان، وفي ذات الوقت تمارس ذات الازدواجية العجيبة، ولماذا هذه المواقف، فيأتي جوابهم صادما، بأن نظام البعث القائم هو "وطني وقومي ومدافع عن الحق العربي، وغيرها من التسميات التي أقل ما يقال عنها، بأنها مرائية وكاذبة، مبطنة بالخبث والنفاق، غرضها الشحن الجماهيري من أجل كسب الأصوات في الانتخابات والحصول على عطايا صدام جراء هذا التزلف الفاضح، شأن كل الأحزاب التي كانت أبواقا للنظام الفاشي وداعمة لكل مساوئه وشططه الرهيب، وعلى امتداد جغرافية البلاء العربي، حيث كانت تكرس كل طاقاتها لخدمة ذلك النظام الفاشي الأهوج.
ورغم ما جرى وما ظهر من واقع مرير، ومعرفة وحشية ذلك النظام المجرم بكل تفاصيله المريرة، ما زالت هذه القوى المريضة، تدافع عن ولي نعمتها، وتنظم بين الحين والآخر تجمعات وملتقيات تؤبن طاغية العراق المجرم وتأسف لما حصل له ولحزب البعث الفاشي.
وما حدث في الأردن مؤخرا من إقامة حفل تأبين كبير وهام اشتركت فيه أطراف حزبية من اتجاهات مختلفة، بمباركة التيارات الإسلامية وخصوصا السلفية منها، وفلول البعث وغيرها، وبتمويل أموال العراق المهربة طبعا، إلا دليل على وقاحة المواقف وصلف الممارسين لها.
رافق ذلك ما شاهدناه من تظاهرات تأييد واستقبال حافل لمقاتلي داعش من الأردنيين، وإطلاق الأعيرة النارية والزغاريد، لأن هذه الثلة المنحرفة بنظر الأردنيين من سلفيين وشوفينيين، هم أبطال الأردن الذين قاموا بنحر آلاف العراقيين بمعية المخبولين من العرب وبقيادة فلول البعث المجرم، والهتاف بحياة داعش والداعشيين، آخذي الثأر من العراقيين الذين قاموا بإعدام سيدهم الجرذ، وباركوا سقوط أعتى نظام قمعي كوني.
ولم تمر أيام قليلة حتى انحرفت البوصلة تماما، بسبب اعدام مجرمي داعش للطيار الكساسبة، وباتت داعش هدفهم المعلن، طبعا ما عدا بعض المجانين الذين بقوا أوفياء لهذا الفكر التكفيري الظلامي، وبظني أن جل المواقف كانت منافقة وما زالت، وتعلن خلاف ما تضمر، ومع ذلك تحولت المواقف برمتها باتجاه الثأر لحرق هذا الشاب المسكين، مهما كانت النوايا، بسبب الخوف من الشارع الذي احتقن بالبغضاء من هذا الفعل الأرعن.
فهل من المعقول أن تتحول كل المواقف بين ليلة وضحاها بسبب حرق شاب أردني واحد باتجاه تصفية الحساب مع داعش؟ ولماذا لم تتحرك ذات المشاعر بإدانة ما قامت به داعش وفلول البعث المجرم لتصفية 1700 شاب عراقي بأعمار الزهور وبأبشع الصور وأكثرها سادية وهمجية؟
وأين كانت هذه الحشود الأردنية المنتفضة الآن، وهي تسمع وترى وتعلم عن مسلسل النحر والتفجيرات والقتل اليومي والسبي بحق الأبرياء من العراقيين على يد قوى الظلام الداعشية، وهي في صمت مطبق كصمت القبور؟
سبحان مغير الأحوال، وعسانا أن نلكز الضمائر الأردنية والعربية الميتة لعلها ما زالت تحتكم على ذرة مروءة لمراجعة المواقف بعد أن أصبحت النار تزحف نحوهم وفي عقر دارهم من ذات المصدر الذي كانوا وما زالوا يباركونه ويصفقون له وبكل الممكنات؟
وما أفعال داعش في مناطق العراق الغربية بحق العراقيين لخير دليل لما نعنيه.
فالإرهاب لا قيم ولا مبادئ ولا مناصرة له مطلقا
والعاقل من يتعظ مما يجري.