المنبرالحر

شُكْرًا مَلَك الْمَوْت !/ يوسف أبو الفوز

ربما يهمك ان تعرف ـ عزيزي القارىء ـ اني اكتب لك هذه السطور من المستشفى.فالشهور الماضية قابلت من الاطباء اكثر مما قابلت من اصدقائي. وها انا اقيم في المستشفى من جديد لاجراء المزيد من الفحوصات الطبية. أعلل نفسي بأن العمر له أحكام، وأعرف ان حياة كل عراقي لم تكن سهلة والجسد له حدود للتحمل.
وأرتباطا بوجودي في المستشفى، ولتعذر زيارة صديقي الصدوق أبو سكينة، فكرت في الاعتذار عن كتابة حلقة العمود لهذه المرة، ولكن تنفيذ الالتزام له طعمه وسحره ومعناه، هكذا علمتنا مدرسة «طريق الشعب». ولاعترف لك ـ عزيزي القاريءـ بأن الفترة الاخيرة، وأرتباطا بأوضاع العراق العامة، والموت يحصد الناس بمختلف السبل، ومع وضعي الصحي الخاص، صرت افكر بالموت كثيرا. النصير الشهيد الشيوعي روبرت ــ خليل ابراهيم اوراها (من اصول مسيحية، مواليد البصرة 1959، استشهد ببطولة في معركة ضد قوات المرتزقة والاستخبارات في قرية شيخكه في 23 /7/ 1987) في دفتر ملاحظاته الذي وجده رفاقه مؤطر الحافات بالدم كتب: لا اخاف الموت، لكني لا اريده لانه سيسبب الألم لمن يحبونني.
لا اضيف كثيرا الى ذلك، فلا اعتقد ان اجيالاً من الشيوعيين خافت يوما زيارة ملك الموت. كانوا دائما بانتظاره، وهم يعرفون ان حياتهم التي يمنحونها في ساحات النضال، وبمختلف الاشكال التي يغادرون بها، ما هي الا قربان لحياة جديدة. شخصيا، في محطات حياتي المختلفة، وبتواضع اقول، قابلت هذا الزائر الثقيل مرارا، وتعلمت أن لا أخافه، ولكني ايضا اقول هنا : لا أريد زيارته.
لا اريده لاني اعتقد ان هناك اشياء كثيرة تنتظر مني أنجازها. كتابة المزيد من الكتب،زيارة اماكن جديدة، لقاء أحبة افترقنا عنهم، شم المزيد من الهواء النقي ونشر الحب والتمتع بمباهج هذه الحياة والعمل لأجل نهارات مدنية لابناء شعبنا. لكن النفس البشرية لا يمكن ايقاف هواجسها. وحين هاتفني أبو سكينة ليطمأن عليّ، أفضيت له بهواجسي وما يدور في بالي، صاح بي بالهاتف:»بويه شصاير بيك، هاي أنته مثالنا الحسن بالتفاؤل وحب الحياة، سخونة وحصوات زغيرة لكونهن بجلاويك، هيج لعبن بيك وتريد تلعب بينا». حدثته، كيف ان الاسابيع الاخيرة، رحل العديد من اصدقائي ومعارفي من حولي فأثر على مزاجي. ما أن دفنا الاول، حتى جاء خبر رحيل الثاني، وما انهينا فاتحة الثالث حتى ... قاطعني أبو سكينة: اعرفهم كلهم.
جليل وسكينة وزوجتك حكوا لنا كل شيء وعاشت يدك. اعرف انك رغم تعبك ومرضك، قمت بالواجب واكثر، وكنت اريد اقول لك شفت شلون الموت يوحد العراقيين. جماعتك اللي رحلوا، الاول كان شيعي والثاني سني والثالث مسيحي والرابع كردي إيزيدي، قل لي ملك الموت لمن اجاهم سألهم لأي «مكّون» تابعون؟ اكتب هذا بروح موتاك، قل للبعض اللي ما يستحي على روحه، واحدهم كرشه تارس التلفزيون ومن يحجي قال»المكوّن» ورد «المكوّن»، خل يعرف ان التفجيرات الارهابية، وداعش وماعش من يحصدون ارواح العراقيين ما يسألوهم عن هوياتهم !