المنبرالحر

شهيد مقابل إنتحاري / قيس قاسم العجرش

عبر التاريخ، إتفقت البشرية على تمجيد الموت من أجل قضية. وكلما كانت هذه القضية عادلة،منصفة و سامية، كان التمجيد أوسع في إنتشاره الإنساني.
اليوم مثلاً نجد إناساً طبيعيين عاديين غير مؤدلجين في أنحاء كثيرة من العالم يعرفون أن المهاتما غاندي مات من أجل قضية إنسانية وأن قاتله كان مهووساً بوحش التطرف الذي في داخله. ويعرفون أن تشي جيفارا قتلته عصابات الدكتاتورية في بوليفيا وأن مايكل كولينز، المناضل الآيرلندي الشهير، قتلته الإستخبارات البريطانية بدناءة أباحت معها كلّ المحرّمات.
وكثير من فقراء افريقيا والعالم يعرفون أيضاً أن نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا هو الذي أسقط طائرة الزعيم الوطني الموزمبيقي سامورا ميشيل، وكشفت تحرّيات ما بعد زوال نظام بريتوريا حقيقة هذا التورّط في الإغتيال حين ترعاه دولة بكامل أجهزتها.
والعالم كله أيضاً يعرف الأسلوب الذي إتبعته إسرائيل في اغتيال وتصفية قادة الثورة الفلسطينية، حتى أولئك الذين لم يكونوا على أراضيها وهكذا كان اغتيال (أبو جهاد) في تونس، محطّة استجواب أثارتها العُقول الحرّة الوطنية في كل مكان، هل يحقّ لإسرائيل إغتيال أعدائها في أي مكان على الكوكب؟.
إسلامياً، كانت المُعارضة الحسينية أولى المعارضات التي تكشف زيف السلطة الباطلة آنذاك وتتصدى لها وتعرّيها وتكشف وحشيتها أمام التاريخ. وهذا النوع من النضال يسقط الحجج عن الجبناء الذين يتماهون مع الظالم دائماً.
لكن، كل هؤلاء(القتلى في سبيل قضية)وغيرهم ربما بالآلاف في خط حراك البشرية، إنما فقدوا حياتهم»الشخصية» وهم متيقنون من أن الحياة بعدهم ستكون أسمى وأكثر إشراقاً، وهذا أوضح معنى إنساني لمفهوم»الشهيد».
كل هؤلاء تركوا الحياة في ذروة نزوعهم وتفانيهم وعملهم لجعلها حياة أفضل.
هذا هو الفرق الواقعي بين»الشهيد» و»الانتحاري».
أعلم أن كل ما قيل عن الشهيد يمكن عطفه لغوياً على الانتحاري أيضاً، لكنها عطفة غير واقعية ولا تحتمل أن تفسر باستهداف(حياة أفضل).
الانتحاري ليس أكثر من جامع قمامة فكرية لم تنفع الناس في حياته وستتركهم بؤساء بعد مماته.
بينما يتفانى الشهيد في عشق الحياة الأفضل حتى في لحظة تركه إياها.
لا يشارك الانتحاري في ظنونه إلا حفنة من المُختلّين والمشوهين في فهمهم للحياة بينما يقتسم الشهيد احترام المجتمع وتقييم العالم لتضحيته.
لهذه الاسباب، فإن الجندي الشجاع يقاتل الى لحظة الموت من أجل قضية عادلة لكنه لا ينتحر أبداً، فالموت ليس هدفاً إنما هو قدر يتوقعه وفي هذه الاثناء يواصل البحث عن حياة أكمل لا يريدها الانتحاريون الذين يطلبون الموت لغرض الموت ذاته.