المنبرالحر

من أجل وعي وطني مضاد للسياسة الطائفية / عبد العزيز لازم

مقاربة في مصطلح الوعي
هناك نظريتان تتنافسان حول تفسير الوعي هما " الثنائية " و " المادية" أو (البدنية) ، المقصود بالثنائية هي الفرق بين العقل والمادة ، اما المادية فهي النظرية التي تنظر الى الوعي باعتباره نشاطا يقوم به الدماغ والمنظومة العصبية ، فهناك على وفق ذلك فجوة تفسيرية بين العقل والمادة، وتواجه الثنائية مشكلة تفسير كيف تستطيع مادة غير جسدية أو حالة عقلية التفاعل مع الجسم المادي.
لكن قاموس الموسوعة الامريكية (إنكارتا) يحاول اعطاء مقاربات معاصرة حول الوعي فيقدم تعريفات مختلطة في الظاهر الا انها تلتقي بخطوط عامة مع بعضها فمن جانب تتحدث التعريفات عن حالة اليقظة تجاه ما يدور حول الانسان وإدراكه له، ومن جانب آخر تتحدث عن منظومة الافكار والمشاعر والمعتقدات لجماعة سكانية معينة وهوما يقترب من مصطلح الوعي الوطني المجرد كما ان هناك فروعا اخرى للوعي تتعلق بادراك قضية محددة فيتكون ما يسمى بالوعي الصحي والوعي التعليمي والوعي البيئي ومنها ايضا ما يسمى بالوعي الطائفي على وفق ذلك. لكننا نفترب الى نوع اعلى من انواع الوعي يسمى معجميا (رفع الوعي)consciousness raising) ) ويعرف هذا المستوى من الوعي على انه " عملية زيادة إدراك الناس لقضية اخلاقية أو إجتماعية مع هدف تشجيعهم على ان يقوموا بعمل ما ". إن هذا التعريف لايقربنا من مفهوم الوعي فقط بل يشدد على الهدف من الوعي، اي وظيفته وهي دفع الناس الى القيام بعمل ما، وهذا لاينطبق على الوعي الوطني فقط بل على الفروع الاخرى له.
الوعي الوطني مقابل "الوعي الطائفي"
إذا اتفقنا على صواب ودقة التعريف السابق لمفهوم الوعي الوطني، علينا ان نتفق ايضا على إن ذلك التعريف يتسم بالعمومية ايضا، وهذا ليس مما يعيبه من الناحية المنهجية، لكننا الآن مجبرون على الخوض في تفاصيل نوعية تحدد ذلك النوع من الوعي الوطني الذي يستجيب لمتطلبات حركة الصراع اليومي واتجاهاته فضلا عن نتائج وسيرورة الصراع الطبقي . إن وجود الوعي الوطني او مدى عمقه خاضع لظروف سياسية واجتماعية وإقتصادية وإنثربولوجية ونفسية ايضا، لكنه في كل الاحوال يؤسس ضرورته العظمى باعتباره مهمازا لحركة التاريخ بمفهومه العلمي ولتثوير الضرورات الحياتية التي تنشأ موضوعيا في مجرى الصراع العام.
ولأجل توجيه المزيد من الضوء على طبيعة هذه القضية لابد لنا من التعرف على الساحات المعنية باحتضان الوعي الوطني وهي : الشعب، الوطن،العلاقات الاجتماعية، الهوية الوطنية، القضية التي هي موضوع الوعي.
ان منظومات العادات المتكونة جراء الحركة التاريخية للشعب ساهمت في تأسيس السمات المميزة للشعب فتحول من "شعب" الى "مجتمع". يحدد القائد الصيني التاريخي صن يات صن ثلاثة مبادئ للشعب وهي : -الوطنية : التي كانت تعني الوقوف بوجه الظالم الداخلي والامبريالية وإعلان حق تقرير المصير للشعب كله اضافة الى منح ذات الحق للاقليات داخل الصين. حقوق الشعب: التي كانت تعني الديمقراطية ( الانتخابات، حق المبادرة، الاستفتاء، وحق الاسترداد ). اما المبدا الثالث فهو :- معيشة الشعب : التي غالبا ما تعني " الاشتراكية " اي فكرة المساواة. ونشير الى ان تلك المبادىء تتصل فيما بينها لتكون الكيان الوطني للبلاد ولايمكن الفصل فيما بينها دون احداث الاختلال في التوازن المصيري لمطالب الوطن.
أما الوطن فلم يعد يعبر عن مساحة من الأرض فقط، بل ان الوطن لا يؤسس معناه الطبيعي الا بالارتباط بالشعب فالوطن ليس مزرعة يجري استثمارها من قبل المجموعات السكانية المستوطنة فيها.بل هي موطن لجميع الاحلام والرؤى التي يفرزها الشعب عبر علاقات تتكون بشكل موضوعي بين الناس تغذيها خيرات الارض ومناخها وطبيعتها الجغرافية.
وتعني العلاقات الاجتماعية ايضا روح الانسجام بين مكونات الشعب وتعني ايضا السلم الاهلي بين فئات المجتمع والايمان بالمصير المشترك.أما الهوية الوطنية فهي حسب التعبير التقدمي العلمي تتكون ضمن سيرورة تاريخية معقدة تغذي مواقف مميزة للشعب مستمدة من نضاله المتجدد من اجل مصالحه المصيرية.
فيما يتعلق بالساحة الاخيرة وهي القضية التي تشكل موضوع الوعي، فقد قلنا ان للوعي الوطني فروعا تتشكل على وفق الموضوع المراد تنشيط الوعي فيه. ذلك الوعي الذي يتسم بالطابع المصيري لبلاد بأ سرها. وقد شهد تاريخ بلادنا معارك كبرى عبرت عن قدرات الشعب العراقي في اتخاذ مواقف وطنية بامكانيات محدودة ضد قوى خارجية امبريالية مدججة بالسلاح وكافة انواع المدد اللوجستي والسياسي. ومن الأمثلة الساطعة على ظهور الوعي الوطني الشامل لدى العراقيين هو ثورة العشرين عام 1921ضد الاستعمار البريطاني التي انبثقت بؤرها في مناطق مختلفة من العراق، فمن النجف الى الانبار والى ذي قار والبصرة وكربلاء وسائر محافظات الفرات الاوسط والى نينوى وكردستان. اي ان جميع المكونات العراقية عرقية ام دينية ساهمت بدرجات متفاوته في تجسيد الرفض الوطني للاستعمار بعمل حركي منظم ومؤثر افهمت القوى الاستعمارية بان ثمة شعبا يستطيع ان يقف بوجه مخططاتهم الشريرة اذا توفر له الوعي المشترك بطبيعة التحدي الذي يوضع في طريق تطوره. ولابد لنا ان نذكر الدور العظيم الذي لعبته الفئات المثقفة والسياسيين الثوريين العراقيين في تنبيه الشعب وإكسابه الوعي الوطني حول طبيعة العدو الذي يستهدف مصيره، بل وقيادة الإنتفاضات الشعبية التي ارعبت القائمين على شؤون البلاد بتفويض استعماري. لقد مهدت تلك التحركات الشعبية البطولية لقيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958بعد ان تفشى الوعي الوطني من الشارع الى الجهات التي يفترض بها حماية نظام الحكم الاستبدادي وهم طليعة الجيش وقادته وضباطه ومنتسبوه من مختلف الصنوف والمراتب. لقد عبرت تلك الثورة عن حقيقة كونها انعكاس للمطالب الموضوعية للناس. فالظلم المستشري في جميع مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد قد تحول الى كابوس اقض حياة الناس مما خلق الحلم الشعبي الثمين في التخلص منه ومن مسببيه ورموزه. وتضمن ذلك الحلم ان يتم تأسيس ادارة عادلة لشؤون البلاد لإنصاف المظلومين وتعزيز كرامة المهمشين. إن قوة الادراك والوعي الذي هيمن على قيادة الثورة جعلها تستوعب المطالب الشعبية فاصدرت سلسلة برامج اقتصادية واجتماعية لتلبيتها خاصة قانون الاصلاح الزراعي وقانون تحديد مناطق الاستثمار النفطي المعروف بقانون رقم 80 الذي تضمن تهديدا للشركات بتأمين الثروة الوطنية النفطية لصالح الكادحين فضلا عن مشاريع السكن المجاني وخطط بناء القاعدة الصناعية ومشاريع الإعمار العامة. لكن انحسار الوعي الوطني المعمق لدى قيادة الثورة على الصعيد السياسي بخاصة في مرحلة لاحقة، قد تسبب في انتكاسة كبرى لمكاسب الجماهير ذوي المصلحة فيها وهم الاغلبية. وبالتالي كانت الخسارة ذات طابع وطني شامل لازال العراق يعيشها.
لم تستطع الدراسات التي ظهرت حول فداحة الخسارة، وضع الإصبع على الجرح بما يكفي من الدقة. فاذا استطعنا تاشير حقيقة ان ضمور الوعي الوطني لدى قيادة الثورة وتوقفه عند محطات مسطحة قد اسهم بشكل رئيسي في ضياعها نكون قد اقتربنا من السبب الرئيس لذلك الضياع. هذا اذا اضفنا حقيقة إن تعدد مراكز القوى داخل قيادة الثورة ادى الى تشتيت الجهد الوطني والاحتراب فيما بين القوى المنفذة للثورة بتشجيع من قوى الامبريالية والمتعاونين معها من القوى الاقليمية بعد ان اخفقت تلك القوى في استيعاب خلافاتهم السياسية وتوجيهها نحو البناء الديمقراطي. والنتيجة المنطقية كانت إجهاض الثورة وضياع الحلم الوطني بعد أن تمكنت قوى الثورة المضادة من السطو عليها بقطار امبريالي.
نقول في هذا الصدد ان الوعي الوطني لاينبغي حصره ضمن حدود العاطفة تجاه الوطن والشعب كما هو الحال لدى بعض قيادات ثورة الرابع عشر من تموز، فإن هذه القيادات لم تتمكن من حماية الثورة بسبب اخفاقها في رؤية مكامن الخطر الحقيقي عليها وعدم استيعابها لمقتضيات الوعي السياسي الوطني ووضعه على اسس برنامجية علمية.
خصائص الوعي الوطني
من اجل توضيح الفروق المنهجية بين الوعي الوطني و"الوعي الطائفي" لابد من تحديد الخصائص الاساسية للوعي الوطني بالاستفادة من تطبيقات الشعب العراقي الثورية. يمكن إجمال تلك الخصائص كما يلي :
1-الشمول افقيا وعموديا، اي ان الوعي الوطني يشمل حياة الوطن باسره. إنه يتضمن الإدراك الشامل لما تتطلبه مصلحة عموم الشعب ومصائر الوطن.وهذا يتضمن استيعاب حقائق الوضع العام ومن ثم التسلح بارادة راسخة نحو الهدف الذي هو موضوع الوعي الوطني.
2- اليقين الى جانب المرونة، إن الوعي الوطني يتكون بناء على حقائق موضوعية، قد تكون خافية مؤقتا فيكون دور المثقف الثوري كشف تلك الحقائق للناس اصحاب القضية. لقد حصل ذلك في عراق النصف الاول من القرن الماضي حين إستطاع المناضلون التقدميون العراقيون كشف طبيعة الاستعمار للشعب العراقي وبخاصة ارتباط قوى الاقطاع واصحاب رؤوس الاموال الرجعيين بمراكز الاستعمار العالمي وهي ما تسمى بقوى الكومبرادور.
3- البعد الديمقراطي، وهذا البعد يتضمن حماية الحقوق العامة والخاصة وحقوق الاقليات اضافة الى حق الانتخاب وحق التعبير والاجتماع وحقوق المرأة والطفل مع حق تنظيم الجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية وتنظيم الاحوال الشخصية بقانون منصف للجنسين.
4- العدالة الاجتماعية ، يتسم الوعي الوطني النوعي القائم على المنهج العلمي ليس بإقرار العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة فحسب، بل السعي نحو تحقيقها على الارض بتمكين الناس من نيل حقوقهم المعيشية حسب كفاءتهم وقدراتهم على الانتاج..
5- العلاقة الوثيقة بالعالم الخارجي، ولابد ان نؤكد على ان هذه العلاقة تكتسب مضمونا اجتماعيا متقدما بعيدا عن الارتباط المهين مع القوى الدولية والاقليمية ذات المخططات الأنانية الهادفة الى حفظ مصالحها على حساب المصالح الوطنية. اثبتت الحقائق التاريخية ان العراق هو من اكثر البلدان اثارة للاهتمام من قبل دول العالم ومنظماته السياسية. وقد لاحظ المراقبون كيف ان العالم قد حبس انفاسه حين اندلعت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1985. ويقول فرانس فانون : " ان المعركة من اجل الديمقراطية ضد قمع الانسان سوف تترك المجال تدريجيا للعالمية اللبرالية الجديدة كي تظهر بعد جهد جهيد بشكل دعوى للاممية." وقد تجلى ذلك في الثورة العراقية في تموز حين تلقت اشكال الدعم الاممي الواسع من لدن العديد من الدول المتحررة والمنظمات العالمية التقدمية.
"الوعي الطائفي "
إن "الوعي الطائفي" هو ذلك النوع من الوعي المكرس لطائفة ما، لخدمة مصالحها بعيدا أو قريبا عن مصالح عموم الشعب الذي يحمل عنوان المواطنة كهوية انتماء عامة تغطي مكوناته المتآلفة دون اقصاء او تهميش لأي من الطوائف الاخرى . ولكن ما هي الطائفة ؟ إحدى التعريفات تقول انها جماعة دينية ذات معتقدات وممارسات تقع في تعارض مع تلك التي تمتلكها الجماعات الرئيسية الراسخة. ويقول تعريف آخر انها جماعة متفرعة عن طائفة دينية اكبر.ولكنها في النهائية هي مجموعة من البشر تمتلك مفاهيمها وشرائعها وطقوسها الخاصة. فهي هنا تمتلك الحق في ان تكون جزءا من المجتمع. ويمكن من الناحية المبدأية قبول الوعي الطائفي باعتباره جزءا من النشاط الاجتماعي الهادف الى صيانة الحقوق الاجتماعية او الدينية لطائفة ما. أما الكينونة الإجتماعية للطائفة فتتمتع بالاستقرار والمقبولية ما بقيت ضمن حدود الحقوق الاجتماعية التي تعترف بها القوانين العامة. لكن النشاط الطائفي والموقف الطائفي يتعرض للأزمة حين يتمكن رجال السياسة من توظيفها لتحقيق مصالحهم الطبقية الانانية، فتتكون هنا مايطلق عليه بالسياسة الطائفية وتتفاقم الازمة حين تكون الطائفة دينية كما يحصل في العراق الآن. فالقوى المتنافسة ومنها القوى المتنفذة تستغل الطوائف والدين لخدمة مصالحهم الطبقية فهؤلاء سياسيون غير معنيين بالشواغل الدينية للطائفة الا بمقدار خدمة مصالحهم الأنانية. انهم يعثرون بسهولة على مفاهيم مطلقة ودوغمائية يفرزها فكر الطائفة الدينية ويوظفونها لصالح مخططاتهم الأنانية.إن تفشي الأفكار الإقصائية بين جماهير الطائفة بدفع من الطغمة السياسية وتفاقم مخاطر تهديد السلم الاهلي عبر الارهاب باشكاله المختلفة ونفي الصراع الطبقي رغم انعدام العدالة في توزيع الثروة وبالنالي اتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء وتراجع الهوية الوطنية لصالح الهويات الفرعية وتفشي الفساد المالي والاداري كما يحصل في العراق هي من مظاهر تلك الازمة.
من هذا الاستعراض نرى ان الطائفة ككيان اجتماعي وكذا الوعي الطائفي لا يقعان في تناقض مع الوعي الوطني السياسي العام. لكن التناقض ينشا بعد خضوع الطائفة للسياسة الطائفية التي يقودها سياسيون مغرضون هدفهم حماية مصالحهم الطبقية على حساب الاغلبية الشعبية ومن ضمنهم منتسبو الطائفة نفسها. ودليلنا على ذلك ما يعيشه ابناء الطوائف المختلفة من بؤس وتهميش ومشاكل معيشية مرهقة في مقابل ما يعيشه ممثلوهم السياسيون من سعة ورفاهية في العيش بفضل الامتيازات الباذخة التي يحصلون عليها وإيغالهم في استغلال ابناء طوائفهم لصالح المنافع الطبقية الضيقة. وقد اثبتت التجارب منذ سقوط النظام المباد ان الحل يكمن في الإصلاح الديمقراطي الذي يقوده ديمقراطيون أكفاء ومخلصون لقضايا الشعب العراقي.
تتوزع القوى الديمقراطية بين فئتين اجتماعيتين تسمحان لحالة التداخل الممكنة فيما بينهما رغم ظهور حالة التمايز التكويني لكل منهما وهما التيار المدني الديمقراطي وجمهور المثقفين العراقيين. لقد ظهر التيار الديمقراطي المعاصر استمرارا لتاريخه الطويل كضرورة تستند على البحث عن بديل حام للديمقرطية عن طريق الإصلاح واستطاع رغم حساسية الظروف الى التحول الى "تحالف مدني ديمقراطي" في محاولة من القائمين على قيادته في تحديد برنامج محدد يستطيع التوغل في وعي الناس الوطني. اي تعميق الوعي الوطني بتحويله الى "وعي ديمقراطي" وهي مرحلة نوعية متقدمة في مسيرة الوعي الوطني. واستطاع التحالف المدني الديمقراطي ايصال عدد من ممثليه الى كل من مجلس النواب ومجالس المحافظات عبر منافسات ماراثونية محفوفة بشتى انواع المطبات بما فيها المطبات القانونية التي تستهدف تحجيمه، إذ كان ممكنا زيادة عدد هؤلاء الممثلين فيما لو توفرت قوانين انتخابية اكثر انصافا واكثر ديمقراطية، لكن القوى المتنافسة شعرت بحجم الخطر على مصالحها الذي يمكن ان تشكله الديمقراطية الحقيقية التي يسعى التحالف الى تحقيقها فاتفقت رغم اختلافها السياسي على تطويقه وتحجيم وجوده السياسي والتمثيلي.
إن امام التحالف المدني الديمقراطي مهمات اوسع مما تحقق لحد الآن ولاشك ان المراجعة المستمرة لبرامجه وتكتيكاته ستؤدي الى كشف الطبيعة النوعية لهذه المهمات وستساعد التطورات المستمرة الساخنة والباردة على الارض الى اكتشاف وسائل جديدة للعمل من اجل الديمقراطية والاصلاح الديموقراطي. ٍ
اما فئة المثقفين فقد تعرضت لشتى انواع الإهمال والتضييق والإقصاء وشحة الدعم المادي والمعنوي ولازال ينظر اليهم والى اتحادهم على انهم فئة غير مرحب بها من قبل الجهات الرسمية وخاصة وزارة الثقافة.إن المثقف يتعرض لحيف مزدوج فهو من ناحية مطلوب للارهاب مثله مثل باقي فئات الشعب ومن جهة اخرى يقع ضحية النظرة الشزرة من جانب الدولة التي لم تطور موقفا حضاريا تجاه الثقافة ولا ترى في المثقف دورا فعالا يساهم في خدمة اهداف عليا لصالح استراتيجية مصائر الوطن العليا. هذا إذا كان لدى قيادة الدولة في الأصل مثل هذه الإستراتيجية. ويأتي هذا في سياق تفسيرطائفي منغلق للنصوص الدينية ومدعوم من قبل قوى الطائفية السياسية المتنفذة.وكان يمكن " ولا زال ممكنا" الاستفادة من الطبيعة الديمقراطية للثقافة لتفعيل دور المثقفين في الإصلاح الديمقراطي.
من الجانب الآخر تعاني فئة المثقفين من مردودات تناقضها الداخلي، فالمثقفون يطرحون انفسهم على انهم حماة الثقافة والابداع بخاصة ويكتبون عن الانسان مادتهم الاساسية، لكنهم لم يستطيعوا الوصول الى هذا الانسان ومساعدته في حماية نفسه من هجمات الجهل والتجهيل الابجدي والسياسي والحضاري. ولعلنا نجد فيما قاله السياسي والمفكر السنغالي " فرانس فانون حول هذا الامر بعض التفسير المعقول، اذ كتب: " إن عدم جاهزية الطبقات المثقفة والافتقار الى الروابط العملية بينها وبين جماهير الناس وكسلهم، ودعنا نقول جبنهم في اللحظات الحاسمة من المعركة سوف تؤدي الى ظهور الخطوة العاثرة الماساوية." إن تنبؤات فانون ليست بالضرورة أن تكون وصفة جاهزة تصلح لجميع البلدان لكنها وحسب المقتطف تؤشر حالات عامة لايمكن تجاهلها، فالمثقف العراقي يكثر الحديث عن مفهوم المثقف العضوي الذي اطلقه غرامشي لكن تفسير هذا المفهوم لازال مضببا في اذهان العديد من المثقفين ولم يخرج عن دائرة الطموح الشخصي للقائلين فيه ولازال بعيدا عن التطبيق العملي، بل ان العديد من المثقفين ممن تسحقهم ظروفهم المعيشية الصعبة اضطروا الى العمل تحت إمرة بعض القوى المتنفذة واضطروا بالتالي الى مجاملة توجهاتها السياسية الطائفية. لكننا نعتقد ان الخميرة التي يفاقمها النشاط الثقافي المتواصل رغم الافتقار للدعم الرسمي سيعمل على تشذيب ما علق في دور المثقفين من طحالب ضارة هي من مخلفات العهود الدكتاتورية السابقة ومن جراء النهج السياسي الطائفي الراهن.ولانستطيع في هذا الصدد إغفال الدور المستنير لعدد من المثقفين العراقيين الذين دفع بعضهم حياته ثمنا لمواقفه الوطنية، فهؤلاء سيبقون مثارات اعتزاز جبارة تزيّن التاريخ النضالي للمثقف العراقي. ومازالت مجاميع وطنية منهم تمارس نهجا كفاحيا يوميا من اجل اصلاح المسيرة الديميقراطية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
- فانون، فرانس "البؤساء في الأرض"
- موسوعة " إنكارتا " دائرة المعارف الأمريكية
- سان –من تشو – يي، المبادىء الثلاثة العظمى