المنبرالحر

التعدد المتنافر ..والتداخل اللاواقعي / ئاشتي

«1»
أن تدوخَ راسك بالسياسة أمرُ لابدَ منه في عراقٍ يستنزفُ كل حنانك منذُ ساعات الصباحِ الأولى، ويجعلكَ تنسى اشتياقكَ الدائم َلشاطئ دجلة َحيثُ يروي الموجُ قصصَ أيام أبي نؤاس وخمرته وتغزله، وكأنكَ في عزلة عن العالم ِالذي يغرق في الصخبِ الجميلِ، رغم أن بغداد تعاني أيضا من الصخب ولكنه صخبٌ من نوع ٍأخر، صخبُ انفجار العجلات المفخخة وأصوات مكبرات الصوت في مآتم عزاء الذين استشهدوا في هذه التفجيرات. وليس لك من مهرب غير أن تنسجم مع هذا الواقع رغما عنك، حيث لا مفر إزاء كل الأحداث اليومية الجارية وكأن وطنك لم يعد يرتاب كما لا يحيط به كما لا يرتاب ُصديقك الأوفى بشخص هو حالة متكلسة من الارتياب.
«2»
للحزن أكثر من باب ولكن للفرح بابا واحدا، أبواب الحزن مفتوحة على مدار الأيام وهي في حالة من الاستعداد الدائم لأن تكون معبرا سهلا لأرواح جميع الناس دون أن يراودها الشك في الإغلاق. ولكن باب الفرح مسدود لا يُفتح إلا بقرارٍ حكومي يأمرُ بتوقف مديرية الحزن عن بث أتراحها ولو للحظة واحدة في اليوم. والحكومة هنا لا تعني السلطة التنفيذية القائمة بل السلطة التي تملك قرارات فك الحصار عن الفرح، وهي سلطة غير مرئية في دنيا انعدام سلطة الدولة.
«3»
يبدو أن كل ما يحدث هو قرار جماعي ولكنه في حقيقته قرار متفرد، أو هكذا تجري الأمور، التفرد بصيغة الجمع، وهذا يوفر للوضع القائم حالة من عدم الانسجام في كل خطوة، مثلما يخلق التداخل في كل منجز يفترض انجازه من قبل الجميع.
«4»
صورة اللوحة القائمة قاتمة ٌحد التنافر مادام التعدد في حالة متنافرة دائمة. الكل في حقيقته طارد ومقاوم ورافض لما يسمى(داعش) ولكن هذا الكل المقاوم والمتعدد هو في حالة من عدم الاتفاق. فكيف يمكن طرد داعش؟ سؤال لكل هذه التجمعات يطرحه أي ساذج. أكثر من ستة تشكيلات عسكرية تدعي مقارعتها لـ داعش ولكنها مختلفة في اتصالاتها وتداخلها وتنسيقها. فأي مجنون يعتقد أن هذه القوات سوف تحقق النصر ما دام وضعها بهذه الحالة؟ مثلما ليس هناك من مجنون يتصور أن أهداف وطموحات هذه القوات تتوقف عند حدود طرد داعش من ألأراضي العراقية.
«5»
ربما يسعفني الشاعر الكولومبي (فرناندو ريندون) وهو يحكي عن حقيقة الذين يأكلون والذين لا يأكلون فالجميع سوف يموتون
( يقال بان مَن لا يأكلون سيموتون
على الرغم من ان مَن يأكلون سيموتون:
إلا أنهم يخافون الجوع أكثر من الموت
وخوفا من الجوع يموتون)