المنبرالحر

تأزيم / قاسم السنجري

إلى ما قبل جلسة مجلس الوزراء التي تم فيها اقرار مشروعي قانوني المساءلة والعدالة والحرس الوطني، كانت القوى السياسية المشاركة في الحكومة تتجنب انتقاد رئيس الوزراء حيدر العبادي، وتحاول أن تمنحه الوقت الكافي لإدارة عمل الحكومة وتنفيذ الاتفاق السياسي الذي تشكلت الحكومة الاتحادية على أساسه، وتغدق عليه بالصفات الحسنة وتشيد بعمله في أحيان كثيرة. إلا أن الجلسة المذكورة كانت حداً فاصلاً في نوعية العلاقة مع العبادي من جانب القوى السياسية التي تضغط باتجاه تنفيذ هذا الاتفاق، الأمر الذي قد يغدو معه العبادي وحيداً في مجلس الوزراء إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
شهدت جلسة مجلس الوزراء التي تم فيها اقرار مسودة قانوني الحرس الوطني والمساءلة فيها، انسحاباً لوزراء اتحاد القوى الوطنية، ليصل الحديث في أروقة البرلمان عن نسخ «مزورة» من قانون المساءلة تلقاها مجلس النواب، ولتليها بيومين حادثة اغتيال الشيخ قاسم سويدان. ثم ليتضح الانقسام في صورة أكثر وضوحاً وتظهر النوايا بتعليق اتحاد القوى وائتلاف الوطنية حضورهما في مجلس النواب، مع تلميح بانسحاب من مجلس الوزراء.
بكل تأكيد أن التوافق وانضاج مشاريع لقوانين أمر مهم قبل أن يتم تمريرها بطريقة مواربة واستخدام طرق ملتوية تثير مشاكل بين القوى السياسية لتلقي بظلالها على الشارع الذي تحاول أطراف كثيرة لإشعاله وإشغاله بالانقسام الطائفي سيء الصيت. وربما تأتي حادثة اغتيال الشيخ السويدان ونجله وافراد حمايته، واختطاف أحد النواب لتزيد الامور تعقيداً وتجبر هذه القوى على اتخاذ موقف حازم لإيقاف استهداف الشخصيات السياسية، وربما وجدت بتعليق عملها وسيلة ضغط على العبادي ليتقدم خطوات أكثر جرأة في مشروع المصالحة وحصر السلاح بيد الدولة.
وبكل تأكيد أن عملية اغتيال الشيخ سويدان هي عملية مستنكرة ومستهجنة لا يمكن القبول بها بأي شكل من الأشكال ويجب أن يحاسب من كان وراء تنفيذها وفق القانون. إلا أن الانسحابات من مجلسي الوزراء والنواب ليست مجدية في هذا الوقت العصيب، وأن لهذه القوى تجارب سابقة مع الحكومة السابقة، حيث أن على مدى السنوات الماضية لم تحقق الانسحابات من الحكومة أو تعليق العمل بمجلس النواب أي نتائج سوى المزيد من الخلافات والتقاطعات.
أن هناك اطراف داخلية وخارجية تلعب على ورقة التأزيم وخلق المشاكل وهذه الاطراف تستغل أي ظرف لتعطيل العمل في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، وتلعب على عزل القوى السياسية عن الواقع وما يعيشه الشارع العراقي من أزمات أمنية واقتصادية، وتجتهد هذه الاطراف في إشعال أزمات جديدة قد تخرج عن السيطرة وتوقع كوارث عرفنا نتائجها وكوينا بنارها، وهذا ما يتطلب من الجميع الحذر وعدم الانسياق وراء العواطف، وعليهم اللجوء إلى لغة الحوار في حل المشاكل بدلاً من التصعيد غير المجدي.
أن القوى التي تعجز عن حل مشاكلها بهدوء وتحرص على تصدير خلافاتها خارج أسوار مجلسي الوزراء والنواب، تجعلنا نضع علامات استفهام كبيرة على مستقبل العراق السياسي في ظل تنفذها بالسلطة وما سيؤول إليه مستقبل العملية السياسية، التي ومنذ انطلاقها وهي تقف في عنق الزجاجة.
يجب على القوى السياسية أن تبتعد عن التشنج والانفعال، وتمنع استغلال أي حدث لإشعال صراع جديد يضاف إلى خلافات وصراعات لا تزال بلا حلول إلى الآن. فهذه القوى حين تتحدث عن التوافق في إنتاج القوانين والقرارات، نلحظ أن بعضها سرعان ما ينقلب على هذا التوافق ويضرب به عرض الحائط وينقل البلاد وعمليتها السياسية إلى منطقة حرجة. لتعود مرة أخرى إلى التوافق ولكن مع إنتاج قوانين وقرارات منقوصة ومعرضة للخرق في أية لحظة، وهذا ما لا حظناه في كثير من القوانين والتشريعات التي انتجها التوافق، حيث أن الابتعاد عن التوافق الحقيقي باتجاه المحاصصة الطائفية هو سبب كل داء وبلوى احاقت بالعراق والعراقيين على حدّ سواء.