المنبرالحر

هيمنة السلطة التنفيذية في مشروع قانون الاحزاب السياسية رؤية مقارنة / هادي عزيز علي*

(تسهم الاحزاب والفئات السياسية في ممارسة حق الاقتراع، وتتكون هذه الاحزاب والفئات وتمارس انشطتها في حرية. ويجب ان تحترم مبادىء السيادة الوطنية والديمقراطية)، المادة 4 من الدستور الفرنسي 1958 المعدل. من هذا التعريف يتضح ان الحرية مبدأ اساسي في تشكيل الاحزاب وممارسة العمل السياسي على ان تتجاوز الحرية تلك السيادة الوطنية والاحكام الديمقراطية، واذا اردنا ان نعتبر النص الفرنسي معيارا لعمل الاحزاب السياسية فهل ان مشروع قانون الاحزاب السياسية ينطبق مع الوصف اعلاه؟ هذا ما نحاول المرور عليه بايجاز :
1 - التأسيس : - يتم على وفق احكام المشروع ،تقديم طلب تحريري مع المرفقات المذكورة في الفقرة "ثانيا من المادة 11 من المشروع ، الى محكمة القضاء الاداري ، وللمحكمة المذكورة قبول او رفض الطلب، وبين المشروع طريق الطعن بقرار المحكمة وضمن اجراءات ادارية معقدة تستنزف الكثير من الجهد والوقت، وحسبما فصلتها المواد 11، 12، 13، 14، 15، 16 و17 من المشروع، ومن المعلوم ان محكمة القضاء الاداري هذه هي دائرة من دوائر وزارة العدل، اذ ان ارتباطها بمجلس شورى الدولة ومن ثم وزير العدل، ولا علاقة لها بالسلطة القضائية،، اذ ان المادة 91 من الدستور تنص على: (يمارس مجلس القضاء الاعلى الصلاحيات الاتية: - اولا - ادارة شؤون القضاء والاشراف على القضاء الاتحادي). ولم تكن هذه المحكمة من ضمن القضاء الاتحادي لارتباطها يالسلطة التنفيذية، لذا فهي مؤسسة تنفيذية، ولن تستطيع اللغة اخراجها من هذا الوصف لكون الدستور جاء بشكل واضح وهو لا يقر المحاكم خارج السلطة القضائية، يضاف الى ذلك عدم وجود قاض من ضمن اعضائها في الوقت الحاضر، بل ان اعضاء محكمة القضاء الاداري موظفون من وزارة العدل وباوصاف وظيفية معينة، من ذلك نستنتج اننا امام جهاز اداري خاضع لارادة السلطة التنفيذية يوصف بانه محكمة. لذا فان ما تصدره من حيث الواقع هو اقرب للقرار الاداري منه الى الحكم القضائي.
في القانون التونسي فان المحكمة الادارية بالمعنى اللغوي والاصطلاحي وهي جهة طعن وليست جهة ترخيص كما يذهب المشروع لدينا، اذ في حالة رفض الوزير الاول منح اجازة التاسيس للحزب بموجب قراريصدر منه مسببا ومستندا لاحكام الفصلين 3 و4 من القانون، فيجوز والحالة هذه للمتضرر الطعن بهذا القرار امام المحكمة الادارية، وللاخيرة الحق في الغاء قرار الرفض الصادرعن الوزير الاول، اذا تبين لها مخالفته للقانون، ويعتبر قرار المحكمة اجازة تاسيس للحزب واعتبارا من تاريخ نشر قرارها بالجريدة الرسمية. ومعلوم ان الوزير الاول(رئيس الوزراء) هو الجهة المخولة بمنح اجازة التاسيس للاحزاب. المادة(10) من القانون التونسي.
2 - دائرة شؤون الاحزاب السياسية : نص المشروع على استحداث هذه الدائرة ضمن الهيكل التنظيمي لوزارة العدل ومنحها صلاحية واسعة، كمتابعة اعمال ونشاطات الاحزاب السياسية وتقييم تلك الاعمال والنشاطات، ولها صلاحية التحقيق في المخالفات التي ترصدها في الاعمال التي تدعي صدورها من قبل الاحزاب تلك ، ومنحت كذلك صلاحية تقديم الطعون امام المحاكم في القرارات الصادرة عنها ذات العلاقة بالاحزاب السياسية، ولها ايضا حق تحريك الشكوى والدعاوى ضد الاحزاب السياسية او اي عضو من اعضائها، المادة 19/ ثانيا من المشروع.
كما يلزم المشروع الاحزاب السياسية اعلام دائرة الاحزاب عن نشاطاته وعلاقاته بالاحزاب والمنظمات السياسية غير العراقية، وهنا تتجسد الوصاية المفروضة على الاحزاب السياسية من قبل دائرة الاحزاب وتصبح الاحزاب السياسية مجرد تشكيلات تابعة لسلطة دائرة الاحزاب تلك، وهذا يعني ان هذه النصوص الحازمة التي اشتملها المشروع تهدف الى تعطيل الاحكام المتعلقة بكفالة الدولة في حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي، المادة 37/ ثانيا من الدستور، كما انها تمنع حرية التعبير عن الراي الواردة في المادة 38/ اولا، وتتجاهل حرية الفكر والضمير والعقيدة الواردة في المادة 42 من الدستور.
يلاحظ ان تشريع (تنظيم الاحزاب السياسية التونسي) رقم 87 لسنة 2011، تنتهي فيه مسؤولية السلطة التنفيذية هناك بمجرد صدور اجازة التاسيس ، سواء كان صدورها من قبل الوزير الاول، ام من قبل المحكمة الادارية بعد الغائها لقرار الوزير الاول القاضي برفض منح اجازة التاسيس ونشره في الجريدة الرسمية، ولا نظير لديهم من نصوص لما موجود في المشروع العراقي من صلاحيات مطلقة لدائرة شؤون الاحزاب. اي الاحزاب في تونس بعد منحها اجازة التاسيس تقوم بعملها على وفق نظامها التاسيسي بعيدا عن اية رقابة سواء كانت تنفيذية . حتى ان تعليق نشاط الحزب مؤقتا او حله يأتي بمبادرة من الهياكل المسيرة للحزب ام من عدد من اعضائه المحددين بنظامه الاساسي ولا سلطان للسلطة التنفيذية عليه في هذا الجانب ، وبذلك يكون المشرع التونسي منسجما مع الاحكام والمبادىء العامة الديمقراطية التي ارساها الدستور التونسي. الفصل (16) من القانون التونسي، اما ايقاف نشاط الحزب في المشروع لدينا فيأتي قسرا عن طريق طلب مستعجل من مقدم دائرة الاحزاب السياسية الى محكمة القضاء الاداري لايقاف نشاط الحزب وخلافا لارادة الحزب النازعة نحو الاستمرار بالعمل الحزبي. المادة (40/ ثانيا) من المشر?ع.
تعديل النظام الداخلي للحزب : ولم يكتف المشروع بذلك اذ ان احكامه جعلت للسلطة التنفيذية اذرعا تمتد الى الحالات التي تجريها الاحزاب بشان تعديل الانظمة الداخلية، اذ لا تجيز تلك النصوص اجراء الاحزاب اية تعديلات على انظمتها الداخلية، الا وفقا لذات اجراءات التاسيس المعقدة الواردة في المواد 11،12، 13،14، 15، 16، و17 من المشروع وهذا تدخل صريح من قبل السلطة التنفيذية في شؤون الاحزاب السياسية ويتعارض مع المبادىء الديمقراطية التي اقرها الدستور في المادة 2/ اولا /ب من الدستور.
يلاحظ ان الفصل 14 من القانون التونسي المشار اليه اعلاه المناظر لنص المشروع قد نص على: (يعلم مسيرو الحزب السياسي الوزير الاول بواسطة مكتوب مضمون الوصول مع الاعلام بالبلوغ بفحوى كل تنقيح ادخل على نظامه الاساسي في اجل اقصاه شهر من تاريخ اتخاذ قرار التنقيح ويقع اعلام العموم بالتنقيح عبر جريدة يومية صادرة بالبلاد التونسية وعبر البريد الالكتروني للحزب ان وجد على ان لا يتعارض كل تنقيح مع احكام هذا المرسوم).
يلاحظ من هذا النص ان الاجراء المطلوب من الحزب هنا هو مجرد اعلام الوزير الاول بالتنقيح الجاري على النظام الاساسي، ولا سلطان للوزير الاول على الحزب فيما اورده من تعديل او تنقيح .
المخالفة في القانونين

الاحكام الجزائية في المشروع تجعل منه قانونا عقابيا وليس قانونا للاحزاب السياسية وتصل الاحكام فيه الى مستويات قاسية من خلال مواد عشر تضمنتها الاحكام الجزائية فيه، رغم ازدواجية هذه النصوص مع نصوص اخرى تضمنها النظام العقابي العراقي. كما ان الاحكام الواردة في المشروع وتطلق يد دائرة الاحزاب تحقيقا واحالة من خلال التحكم بمصير الاحزاب، ولم تاخذ الاحكام تلك اسلوب التدرج في فرض العقوبة، كأن تبدأ بانذار وفي حالة عدم الامتثال للانذار يصار الى التهديد بايقاف نشاط الحزب بشكل مؤقت ثم تتصاعد الاجراءات في حالة عدم التنفيذ.
اما التشريع التونسي فيبدأ بالانذار الذي يطالب بازالة المخالفة خلال ثلاثين يوما من تاريخ التنبيه، الفصل 28(/1) وفي حالة بقاء المخالفة مع انقضاء المدة تبدأ الاجراءات بالتصاعد لحين امتثال الحزب لازالة المخالفة، وبذلك تتاح للحزب الفرصة لتدارك المخالفة وبشكل سلس ومن دون التلويح بالعصا الغليظة ابتداء.
ـــــــــــــــــــــــــ
*قاض وباحث قانوني