المنبرالحر

الحراك العمالي و رؤيته الواضحة / جاسم الحلفي

يخطىء من يتصور ان الحراك العمالي المتواصل يقصر اهتمامه على صرف رواتب العمال المتوقفة، رغم ان ذلك سبب كافي لاحتجاجاتهم الواسعة التي شملت أكثر من خمس محافظات لغاية الآن، والتي لم تجد التضامن المطلوب من لدن القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والاتحادات الاجتماعية. وقد بدا كما لو ان الأمر شأن خاص بفئة محددة من العمال هم عمال شركات التمويل الذاتي، بينما هو حراك يحمل رؤية عميقة تنطلق من فهم أهمية تنوع اقتصاديات العراق، وعدم اقتصارها على واردات النفط ، اذ لا يمكن تصور اقتصاد مستقر يعتمد على الريوع النفطية، وها نحن نعيش هذه الأيام أزمة هبوط أسعار النفط. فالبلد المصدر للنفط ليس هو المتحكم بسعره، ما دامت آليات السوق العالمية للنفط وتسعيره خارج حدود الوطن وإرادته. اما الصناعة الوطنية، فهي الى جانب الزراعة والسياحة والخدمات تمثل قطاعات الاقتصاد الحقيقي. وهكذا فان الدفاع عن الصناعة الوطنية هو احد أهداف هذا الحراك.
قد يتوهم من يتصور ان الحراك العمالي سوف يتوقف نهائيا عندما تصرف مستحقات العمال السابقة ورواتبهم للأشهر القادمة. فمن المرجح ان هذا النشاط سيستمر بأشكاله المتعددة، حتى يصار الى إقرار سياسة اقتصادية وتنموية واضحة تعتمد على المنتج المحلي وتدعمه كي يكون حاضرا في السوق العراقية، التي أغرقتها البضاعة الأجنبية الرديئة. فعمال معامل ومصانع التمويل الذاتي على معرفة جيدة بقدرات معاملهم الإنتاجية، هذه المعامل التي لم تساهم في بناء اقتصاديات العراق طوال تاريخه المعاصر فقط، بل وأسهمت بشكل كبير في كسر الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق، كما نافست في فترات سابقة البضائع والمنتجات الأجنبية. اما توقفها اليوم فهو ليس بسبب عمالنا وكفاءتهم وحرصهم على تطوير مهاراتهم وقدرتهم على بذل كل ما يستطيعون من اجل إنتاج منتوجات يفتخر العراق بها. انما السبب يرجع الى غياب السياسة الاقتصادية الوطنية، التي تضع بالحسبان دعم المنتج الوطني، وتكافح الفساد، والى فتح الأسواق بشكل كامل للبضائع الأجنبية، وعدم تفعيل قوانين حماية المنتجات الوطنية والتعرفة الكمركية وحماية المستهلك.
ليس المطلوب فقط الوقوف بقوة ضد التوجهات التي لا تريد للعراق صناعة وطنية ولا زراعة، وانما تريده سوقا مفتوحا لبضائع الدول الأخرى. فهذه التوجهات تستهدف في نهاية المطاف الإرادة الوطنية. انما الأمر يتعلق بأهمية دعم الصناعة الوطنية بما ينعكس إيجابياً على الاقتصاد العراقي ويساهم فى خلق العديد من فرص العمل، ويحافظ على المنشآت الصناعية القائمة حالياً.
المطلوب هو الوقوف بوجه الحيتان التجارية التي لا تريد للصناعة الوطنية النهوض، المطلوب هو تقديم الدعم المالي وكافة التسهيلات للصناعة الوطنية وتأهيل مصانع القطاع العام وإدخال التكنولوجيا الحديثة إليها، ووضع ضوابط تضمن دعم الصناعات التي تتعرض لمنافسة متعمدة بسلع رخيصة.