المنبرالحر

المجد الاثيل لانتفاضة آذار الباسلة / مرتضى عبد الحميد

في مثل هذه الأيام من عام 1991، اهتزت السماء، وأمطرت غضباً على الدكتاتورية وأركانها، وأجهزتها القمعية. غضباً كان قادراً على اقتلاعها من جذورها، لولا بعض النواقص والهفوات، التي استثمرتها الزمرة المجرمة ووظفتها لصالحها، لتضمن بقاءها سنوات أخرى، وتزيد من ظلم الشعب وعذابه وتدميره.
كانت انتفاضة آذار المجيدة، عملاً بطولياً، ورداً شعبياً في منتهى الشجاعة والإقدام، على نظام حكم مزق العراق وأحاله إلى ركام انسجاماً مع نزوات دكتاتور معتوه وفكر تلفيقي متخلف، ومن اجل إقامة بديل مدني ديمقراطي، يلبي مصالح العراقيين جميعاً، ويعيد لهم حقوقهم المصادرة.
وكما قالها نوري السعيد قبيل ثورة 14 تموز بفترة وجيزة (دار السيد مأمونة) ظن رأس النظام وزبانيته، أن نظامهم الفاشي محصن، ولا يزعزعه أي شيء، بفضل أجهزته القمعية الأخطبوطية، وما قامت به تجاه الأحزاب والقوى السياسية من تصفيات دموية لا تختلف عما يقوم به داعش الان. بل أن حكم الدواعش ما هو إلا امتداد لتلك الحقبة الهمجية من تاريخ العراق المليء بالجراح والآلام.
وكان اعتقاد الكثيرين من الساسة والمحللين والناس العاديين، بأن القضاء على هذا النظام او الثورة عليه يدخل في عداد المستحيلات.
لكن شعبنا العراقي المشهود له تاريخياً بحسه الوطني، وعنفوانه الثوري، خيب آمال هؤلاء جميعاً، وجعل من أطروحاتهم البائسة هشيماً تذروه الرياح، وفجر انتفاضته الباسلة في أوائل آذار من عام 1991، لتدك حصون الديكتاتورية، وتحرر 14محافظة خلال وقت قصير جداً، الأمر الذي كشف هشاشة النظام الدكتاتوري، وخواءه، وافتقاره إلى الشرعية الوطنية.
وكما اظهر صدام «شجاعته» وترك كل شيء، ليختبأ في حفرة الجرذان، فعلها قبله أعوانه وأركان نظامه، وسفاحو أجهزته القمعية ايام انتفاضة آذار 1991، وتناثروا كل يبحث عن حفرة يدفن نفسه فيها، ويتقي غضب الشعب وحقده المقدس.
كان الأمل معقوداً على الانتفاضة في تحقيق كامل أهدافها، لكن أخطاءها المتمثلة في افتقارها إلى القيادة السياسية الناضجة، ورفع بعض الشعارات الطائفية، واندلاعها في أوقات متفاوتة بين مختلف المحافظات والمدن العراقية، بالإضافة إلى العامل الأهم، وهو التدخل الأمريكي، الذي حمى النظام من السقوط، وأطلق يده للتنكيل بأبناء شعبنا بوحشية قل نظيرها، هذا كله فوت الفرصة على أبطال الانتفاضة في تحقيق النصر النهائي.
لكن هذه الأخطاء والنواقص، مهما كان حجمها، لا تنتقص ابداً من أهمية وبطولة الانتفاضة ومن سفرها النضالي الاستثنائي، لأنها أثبتت للعالم من جديد، أن الشعب العراقي، أذا ما وحد جهوده وطاقاته النضالية، والجماهيرية، قادر على صنع المعجزات. وهذا هو الدرس الأهم واجب التنفيذ دون إبطاء أو تأخير، سيما في الظروف العصيبة الراهنة، لإصلاح العملية السياسية ولفظ كل المتاجرين بقضية الشعب والوطن.
إن انتفاضة آذار عام 1991 هي ملك لكل الشعب العراقي، وليس لطائفة أو جهة معينة، فغالبية العراقيين من الشيوعيين والديمقراطيين والإسلاميين والقوميين والمستقلين ساهموا فيها بكل إخلاص وحماس، وقدموا التضحيات الغالية.
ونحن نفخر بالدور الكبير الذي لعبه رفاقنا الشيوعيون وأصدقاؤهم في تلك الانتفاضة الباسلة، وفاء منهم لشعبهم، ولكادحي بلدهم. وقبل ذلك نفخر بشعبنا الذي صنع هذا الحدث العظيم.