المنبرالحر

قراءة طائفية للأسماء! / جاسم الحلفي

تحرم جريدة «طريق الشعب» من إعلانات مؤسسات الدولة ودوائرها. ويبدو هذا جزءاً من عملية حصار لـكلمتها الشجاعة، حيث تمتلئ صفحات صحف أخرى بعدد كبير من إعلانات الوزارات وبقية المؤسسات، ما يعكس غياب العدالة والإنصاف الذي يطبع إدارة الحكم بشكل عام. ولا يشفع للجريدة كونها لسان حال حزب يشترك في تحالف سياسي له 11 ممثلاً في مجالس المحافظات، التي اشتركت هي الأخرى في محاصرة الجريدة عن طريق عدم الاشتراك فيها الى جانب عدم منحها الإعلانات الرسمية. وهكذا يغيب الإعلان عن صفحات الجريدة وهو الذي يفترض ان يشكل جزءاً أساسياً من ت?ويل الجريدة بهدف إدامة صدورها.
ولا يفوتني ان أشير الى ان بعض رجال الأعمال «اليساريين» يشتركون في هذا التوجه الهادف الى محاصرة الجريدة عبر حجب الإعلان عنها، وتبريرهم لذلك مضحك، هو خلافهم الفكري مع الحزب، وكأنهم في هذا يثبتون ان لا خلاف لهم مع الجرائد التي تمثل جهات طائفية، حيث تظهر إعلاناتهم كبيرة على صفحاتها الأولى!
وانا أتصفح «طريق الشعب» قبل ايام لفت نظري وجود مساحة واسعة من الإعلانات في إحدى صفحاتها الداخلية. فرحت للوهلة الأولى لهذه المفاجأة السارة، ودفعني حب الاستطلاع الى التوقف عندها. وسرعان ما تبدد فرحي، وانقلب حزنا وسخطا، حيث وجدت انها احد مستلزمات تغيير الأسماء. وكان اسم عمر وطلب تحويله إلى عمار وعامر، وهو الغالب في الإعلانات، وتوقفت عند هذه الحالة التي لا نحتاج الى تفحص وتدقيق وتحليل، كي نستنتج ان وراء ذلك مخاوف طائفية!
يبدو ان الطائفية السياسية نجحت في بث الرعب في عمق المجتمع وهذا اخطر ما يواجهه العراق، هذا الخطر الداهم الذي بات يهدد وحدة نسيج المجتمع العراقي، وبجعل عوامل التنوع والتعدد عوامل ضعف وفرقة وانقسام ومخاوف، بعد ان كانت عوامل قوة وثراء تعكس جمال مجتمعنا العراقي وما يمثله من قيم التعايش المشترك والتسامح.
وإذْ أتمعن بهذه الظاهرة، ظاهرة الخوف من حمل اسم علم معين، بدلالة قراءة طائفية له، أتذكر احد استطلاعات الرأي أجرته منظمة مجتمع مدني، وجاء فيه الجار في المرتبة الأولى من حيث دوره في تهجير جاره لأسباب طائفية!، آنذاك شكلت هذه المعلومة التي لم ارغب في تداولها صدمة حارقة لي، فضحت الادعاءات الكاذبة بتمسك البعض بقيم الإنسانية والنخوة والكرم، وكشفت ضياع الأصول عند البعض الطائفي، والتي طالما تمسك بها شعبنا الذي وضع الجار في منزلة الأخ.
يبدو ان الإرهاب والعنف والاقتتال الطائفي الذي ساد خلال السنوات الماضية، واشتد في فترات دامية، ترك آثار وخيمة على بنية المجتمع.
وتقتضي المسؤولية منا ان نقول، ان هذا الخراب هو من نتائج النظام السياسي المبني على أساس المحاصصة الطائفية، وان الاستمرار في اعتماد هذه المحاصصة عنصرا أساسيا في بناء النظام، انما يحفز العد العكسي لتدمير العراق. لذا لا حل امام العراقيين الطامحين الى وطن آمن ومستقر يعيش في ظله كل ابناء الشعب العراقي دون تمييز وخوف، سوى السعي الجاد والمثابر لبناء العراق المدني الديمقراطي.