المنبرالحر

دفاعا عن الحزب والحقيقة / ناصر حسين

كثر الحديث في هذه الايام، وفي الحقيقة هو لم ينقطع، بل بقي مستمراً طوال العقود التي مرت، عن سياسة الحزب الشيوعي العراقي خلال الاعوام 1964- 1968. وقد اطلعت على ما كتبه في طريق الشعب العدد 85 الصادر في 8/12/2014 ردا على ما ورد في حديث للاستاذ كريم الزكي كل من السيد عبدالمطلب عبدالواحد والرفيق جاسم حلوائي، وقرأت ما كتبه الرفيق الحلوائي في ضوء ما اروده السيد همام عبدالغني المراني بخصوص تلك الفترة من تاريخ العراق الحديث والحزب الشيوعي العراقي.
معروف لدى الجميع ان الحزب الشيوعي العراقي فقد في الانقلاب الفاشي الذي وقع في 8 شباط 1963 الكثير من قادته الذين افرزهم النضال للشعب العراقي والمنتخب بعضها من قبل الكونفرنس الحزبي الثاني المنعقد في 1956 وفي المقدمة منهم الشهيد حسين احمد الموسوي، (سلام عادل)، فتعددت في تلك الفترة المراكز القيادية للحزب: مركز بغداد، مركز الفرات، مركز كردستان، ومركز الخارج، وكان كل مركز يمارس العمل القيادي وفقا للظروف التي يمر بها مجال عمل كل مركز من تلك المراكز.
في 18 تشرين الثاني 1963 اقدم رئيس الجمهورية عبدالسلام عارف مستفيدا من دعم بعض القوى القومية وفي المقدمة منها حركة القوميين العرب، على حل تشكيلات الحرس القومي، وازاحة حزب البعث عن السلطة وشكل حكومة جديدة برئاسة طاهر يحيى التكريتي ضمت في عضويتها عناصر قومية، واحدث بعض الانفراج في الوضع السياسي استثمره الحزب في توحيد قياداته ونقل مركز عمل القيادة الى العاصمة بغداد وبدء قادة الحزب الوصول اليها سواء من كان من الفرات ام كردستان.
في اوائل عام 1964، كنت سجيناً في سجن الرمادي وكان في السجن آنذاك مجموعة من كوادر الحزب المعروفة اذكر منهم راضي وحسين علي مرزة، كمال شاكر، زهدي الداودي، صاحب جليل الحكيم، محمد جواد طعمة البطاط (ابو زيتون) فرحان جويد من البصرة - سمير الصوفي، خورشيد عزيز، المحامي المعروف عبدالوهاب القيسي، صاحب حموزي، علي ابو شبع، عبدالسادة حسن (ابو لمع). من النجف، اسعد عاقولي، خليل الفخري، سلمان حسن عقيدي، الشقيقان محمد واحمد كاظم النهر، وآخرين، ومن الضباط كان الملازم عبدي والملازم فوزي.
كنا في السجن وفي باقي السجون ايضا، نتابع الجهود التي تبذل لاعادة بناء الحزب، وكانت تفرحنا المعلومات التي تصلنا عن ما يتحقق من نجاحات.
تموز 1964 اصدرت حكومة طاهر يحيى قرارات التأميم المعروفة حيث شملت البنوك، شركات التأمين واعادة التأمين، اورزدي باك، حسو اخوان ،شركة الزيوت النباتية، معمل سمنت الوصي... الخ وقد بلغ مجموع رؤوس اموالها 26 مليون دينار عراقي. وفي فقرة من قرار التأميم تخصيص نسبة من الارباح للعمال العاملين في المؤسسة المعنية. وشرع بتشكيل الاتحاد الاشتراكي تشبها بما جرى في جمهورية مصر واخذوا يكثرون من الاحاديث عن الاشتراكية وبناء الاشتراكية ..الخ.
أصدر الحزب بياناً رحب فيه باجراءات التأميم. وفي الصفحة 130 من مذكراته يؤكد باقر ابراهيم انه هو الذي كتب مسودته ونوقش من قبل اعضاء اللجنة المركزية الموجودين في بغداد وهم عزيز محمد، وعمر علي الشيخ، وكذلك من قبل الكادر الحزبي القريب من اللجنة المركزية والذي ضم: جاسم حلوائي، حسين جواد القمر، كاظم الصفار، كاظم فرهود، حميد الدجيلي، ابراهيم الياس، وسليم اسماعيل، وقد اقرت المسودة من قبلهم بتحفظ من كاظم الصفار وكاظم فرهود. وفي الصفحة نفسها يؤكد باقر ابراهيم ان البيان (قوبل بعدم الرضا في اوساط الشيوعيين).
في آب 1964 عقد في براغ الاجتماع الكامل للجنة المركزية للحزب الذي حضره اضافة الى الكادر الموجود في الخارج، عزيز محمد، وباقر ابراهيم وكاظم الصفار من كادر الداخل.
ضم اجتماع براغ كلاً من: عزيز محمد، كريم احمد، باقر ابراهيم، عبدالسلام الناصري، نزيهة الدليمي، حسين سلطان، صالح دكلة، ارخاجادور، عزيز الحاج، نوري عبدالرزاق حسين، رحيم عجينة، عامر عبدالله، بهاء الدين نوري وثابت حبيب العاني.
في اجتماع براغ انتخب الرفيق عزيز محمد سكرتيرا للحزب وانتخب المكتب السياسي، واقر التقرير المعد عن ما يجري في البلد من تطورات. وكان تنظيرا لما اصطلح على تسميته "خط اب" وتم تعميم التقرير على المنظمات الحزبية وايصال نسخ منه الى السجون.
اتذكر اننا في سجن الرمادي قابلنا في البدء، عقد الاجتماع وما توصل اليه من اجراءات بالفرح فقد تم توحيد المنظمات الحزبية، واصبحت للحزب لجنة مركزية تقود العمل الحزبي وانتخب لموقع السكرتير، رفيق يمثله امام الرأي العام الداخلي والعالمي والاشقاء في الحركة الشيوعية العالمية، واعتبرنا ذلك انجازا للحزب.
ثم بدأنا بدراسة التقرير والتدقيق في طروحاته واستنتاجاته والقرارات المتخذة وهنا بدأ الاعتراض على التقرير.
لقد كان التقرير يعطي اهمية كبيرة لقرارات التأميم المتخذة والتي لم تمس وبشكل مطلق الشركات النفطية التي كانت تنهب ثروات الشعب العراقي بشكل علني، وواجهتها بحالة من الانبهار، وبتفاؤل غير مبرر.
لقد اثارت الكثير من الاعتراضات الصيغة التي وردت في التقرير والتي تنص على انه على الاتحاد الاشتراكي ان يتسع ليضم في صفوفه كافة القوى الثورية في البلاد واثبتها هنا بالنص وكما وردت في مؤلف "عقود" الجزء الثالث الصفحة 27:
"ان السعي لتوحيد الجماهير والقوى الوطنية والتقدمية في منظمة شعبية واحدة كما هو جار في بعض البلدان العربية كالجزائر وج.ع.م ينبغي ان يقترن بضرورة توسيع اطار هذه المنظمة لتشمل جميع القوى الوطنية الثورية في البلاد وفي مقدمتها الاحزاب الشيوعية".
لقد فسرت هذه الصفحة تفسيرات كثيرة وحملت ما لا تحتمل وما زالت تستخدم مادة من قبل الباحثين والمتابعين لتاريخ الحزب الذين يريدون ان يعرفوا الحقيقة كما هي او ممن يريدون الاساءة الى الحزب وتاريخه النضالي المشرف.
لقد فسرها البعض على انها تعني "استعداد قيادة الحزب لحل الحزب والانصهار بالاتحاد الاشتراكي" وهذا ما تصدى له الكثيرون في كتاباتهم وفندوه بالادلة الملموسة. ومن المفيد هنا ان اذكر بما ورد في مؤلف عقود" الجزء الثالث الصفحة 39:
"ان هذا التأكيد جاء في تقرير الاجتماع ينفي الزعم الذي تكرر لدى العديد من منتقدي هذا الخط بان المجتمعين من قادة الحزب كانوا يسعون الى حل الحزب الشيوعي والاندماج بالاتحاد الاشتراكي".
اجل واجه التقرير اعتراضات واسعة من القاعدة الحزبية وليس فقط القاعدة بل والجماهير العريضة من ابناء شعبنا، واتذكر هنا حديثا لأحد الرفاق بعد اطلاق سراحي من السجن اواخر عام 1965 والتحاقي بالعمل الحزبي عن الصعوبات التي واجهوها عندما تحدثوا مع اصدقاء الحزب عن تلك السياسة التي قيموها.. اي اصدقاء الحزب بانها مقبولة ولا تحقق شيئا وطلبوا ان يقوم الحزب بتصحيح نهجه السياسي.
خريف عام 1964 اي بعد فترة قصيرة على اقرار خط اب وصل الرفيق عزيز محمد وكان انذاك يتعامل بالاسم (ناظم علي) الى العاصمة الهندية لحضور مؤتمر الحزب الشيوعي الهندي وقد بثت اذاعة صوت الشعب العراقي كلمته في المؤتمر.
لفت نظرنا في السجن عندما استمعنا الى الكلمة انه ورد فيها عندما تطرق الى التأميمات التي جرت في العراق تموز 1964 ان تلك الاجراءات تشكل اساسا اقتصاديا وركز على اهمية تحقيق الديمقراطية السياسية التي كان النظام بعيدا عنها. وقد عنى لنا ذلك ان قيادة الحزب بدأت تعيد النظر بخط آب.
ثم جاء المؤشر الآخر وهو ما ورد في البيان الذي اصدره الحزب احتجاجا على اعتقال مجموعة الضابط الوطني المعروف سليم الفخري المعروفة: بـ"اللجنة الثورية" الذين اتهموا بالاعداد لانقلاب عسكري يطيح بطغمة عارف- يحيى.
لقد ورد في ذلك البيان الذي صدر في 22 كانون الاول 1964: "ان شعبنا يرى في استمرار سياسة الاعدامات والمشانق استهتارا بلائحة حقوق الانسان وبجميع مبادئ العدل والقانون والقيم الخلقية واستجابة لارادة الاستعمار والرجعية. ان الشعب يتساءل من المسؤول عن هذا الاستهتار، بارواح ابناء الشعب ومصادرة حرياتهم؟ ان القوى القومية المشتركة في الحكم تسيء الى سمعتها والى قضية الوحدة اذا لم تتخذ موقفا جريئا وحازما ضد هذه السياسة الهوجاء".
- عقود، الجزء الثالث، ص 47-.
ثم حسم الموقف بشكل نهائي في الاجتماع الذي عقدته اللجنة المركزية للحزب والبلاغ الذي صدر عن الاجتماع في 20 نيسان 1965 الذي دعا لـ "اسقاط طغمة عارف - يحيى الدكتاتورية الرجعية".
لقد اذيع البلاغ من اذاعة صوت الشعب العراقي ووزع على المنظمات الحزبية وتم ايصاله الى جماهير الشعب التي قابلته بالترحاب.
نحن في السجن عقدنا اجتماعا في احدى القاعات في القلعة وتمت قراءة البيان واتذكر جيدا باية عاصفة من التصفيق استقبلنا الشعار الذي رفعه الحزب والذي يدعو لاسقاط "طغمة عارف - يحيى الدكتاتورية الرجعية".
واضيف بان الاجتماع ادان بشكل قاطع سياسة خط آب/ 1964 باعتبارها سياسة يمينية ذيلية.
لقد استغربت كثيرا مما ورد فيما قرأته اليوم على لسان همام انه لم يسمع بتخلي الحزب عن خط اب في بيان اصدره في 20 نيسان 1965 ووزعه على جماهير الشعب وبث لمرات من اذاعة صوت الشعب العراقي والذي يفترض فيه ككادر متقدم ليس فقط ايصال البيان الى التنظيمات الحزبية التي يعمل فيها بل واطلاق حملة تثقيف بمضمون البيان داخل التنظيم الحزبي وبين الاطار الجماهيري المحيط بالمنظمة!
في رايي انا - يا عزيزي ابا مشرق- ان المسألة ليست مسألة: يعرف همام او لا يعرف فالمسألة ابعد من هذا ان همام حسب قناعتي لا يريد الاقرار بان محاولة الاستيلاء على قيادة الحزب وبقوة السلاح صباح يوم 17 ايلول 1967 والتي قادها عزيز الحاج علي حيدر (رمزي) وشارك معه في قيادتها وتنفيذها بيتر يوسف، وحسين جواد القمر، واحمد محمود الحلاق وعبدالحميد الصافي ووو.. الخ والتي اسفرت عن تشكيل "القيادة المركزية" كانت من خلال الصراع الفكري الذي كان يدور في منظمة بغداد حول اساليب الكفاح ولي حول خط اب/ 1964 مطلقا، فالخط انتهى سياسيا وبشكل رسمي في 20 نيسان / 1965، كما لا يريد الاقرار بان شق وحدة الحزب والهائه بمعالجة اثار الانشقاق قد تسبب باضاعة فرصة تاريخية ثمينة كانت متوفرة للحركة الثورية العراقية من اجل انتزاع السلطة من عبدالرحمن عارف ورهطه التي كانت ضعيفة وهزيلة وغير مهابة من الشعب ومعزولة عنه وكانت تقف في مهب الريح قبل ان يسقطها عبدالرزاق النايف وابراهيم عبدالرحمن الداود قادة القطار الذي جاء بحزب البعث وصدام حسين الى السلطة في 17 تموز 1968 على حد قول علي صالح السعدي الذي طرح امام الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر وكما اعلن الرئيس عبدالناصر نفسه من ان "البعث جاء الى السلطة مرتين، مرة بقطار بريطاني والاخرى بقطار امريكي".
لقد تحدث وبالتفصيل عن تلك الفترة من حياة الشعب العراقي كل من الكاتب المعروف حنا بطاطو والكاتب عزيز سباهي وكذلك الكاتب سيف عدنان ارحيم القيسي وآخرون.
هنا ارى من المفيد ان اقتبس من مؤلف الكاتب سيف المعنون "الحزب الشيوعي عهد البكر" حيث ورد في الصفحة 172 ما يلي:
".... نتيجة تأزم الوضع الداخلي ولا سيما خلال عامي 1967، 1968 لم يعد سرا لاوساط محلية وعالمية ان حكومة الرئيس عبدالرحمن عارف اصبحت في مهب الريح، وكان الحزبان الشيوعي والبعثي مرشحان لاستلام السلطة.
بالنسبة لـ الحزب الشيوعي العراقي تعرقل مسعاه بسبب الانشقاق الذي تأكد ان جهات محلية وخارجية كان لها دور في احداث الانشقاق كما يذكر احد اقطاب (ح.ش.ع) - شوكت خزندار "سفر ومحطات الحزب الشيوعي العراقي رؤية في الداخل".
على كل حال، اذا كان "همام" لم يعرف بما اقدم عليه الحزب في 30 نيسان 1965 إلى الان فهذا لا ينفي حقيقة ان اللجنة المركزية قد اقرت في اجتماعها المنعقد في 18-20 نيسان التخلي عن خط اب بالكامل وادانة السياسة التي تم اقراها في اب 1964 باعتبارها "سياسة يمينية ذيلية" واكثر من هذا فقد طرح في الاجتماع السؤال هل ان رسم خط آب حالة منعزلة في حياة الحزب الشيوعي العراقي ام هو امتداد وتجسيد لجذر يميني سابق؟ الامر كان بحاجة الى دراسة متعمقة وعليه فقد تقرر في الاجتماع دعوة كل من لديه وجهة نظر معينة بهذا الخصوص كتابتها وتقديمها الى اللجنة المركزية للحزب وقد قدمت في حينه دراستان احداهما كتبها زكي خيري سعيد وعزيز الحاج علي حيدر والاخرى كتبها عامر عبدالله وبهاء الدين نوري. وقد جرى تعميم الوثيقتين على شبكة الكادر الحزبي لاستطلاع رأي شبكة الكادر بخصوصها.
آنذاك كنت قد غادرت السجن والتحقت بالعمل الحزبي ضمن تنظيمات الحزب في قضائي الشامية ابي صخير، وقد اطلعت على الوثيقتين وابديت وجهة نظري بخصوصهما.
تبلور النقاش في وثيقة تقييم قدمت الى الكونفرنس الثالث للحزب كانون الاول 1967 ثم عرضت على المؤتمر الوطني الثاني للحزب المنعقد في ايلول 1970.
كما اتذكر ان اجتماع نيسان 1965 قرر تواجد كافة اعضاء اللجنة المركزية للحزب داخل الوطن كي يكونوا بين جماهير شعبهم، يتعرفوا على مشاكلها ويتحسسوا مزاجها كي يتمكنوا من رسم السياسة الصائبة التي يسير عليها الحزب وشكلت في بغداد لجنة استقبال للرفاق العائدين الى العاصمة وتوزيعهم على البيوت الحزبية التي اعدت لهذا الغرض، ضمت في عضويتها كلا من الرفيقة الراحلة ام مخلص زكية خليفة الزيدي والرفيقة لها العمر المديد هناء ادور، وهذا الامر لم يعد سرا مخفيا.
انصح هنا بالرجوع الى ما كتبه الاستاذ فخري كريم زنكنه عن المناضلة هناء ادور على صفحات جريدة المدى على شرف الذكرى الثمانين لتاسيس الحزب الشيوعي العراقي.
واتذكر جيدا ان عزيز الحاج الذي كان انذاك في موسكو ارسل رسالة الى الرفيق عزيز محمد طالبا منه استثناءه من القرار وابقائه في موسكو إلا ان الرفيق سكرتير الحزب اجاب بعدم وجود اي استثناء وعلى الجميع التواجد داخل الوطن فعاد الجميع بما في ذلك عزيز الحاج الذي ضم في حينه لعضوية المكتب السياسي وكلف بمهمة الاشراف على لجنة منطقة بغداد للحزب.
نعم في 20 نيسان 1965 انتهى خط اب سياسيا، بصدور البيان الذي يدعو لاسقاط طغمة عارف يحيى الدكتاتورية الرجعية.
انهمكت المنظمات الحزبية في وضع الخطط العملية لوضع سياسة الحزب المقرة موضع التطبيق العملي.
لينين كان يؤكد دائما على العمل الجماهيري ويكرر بكثرة القول: "في السياسة لايؤبه بغير الجماهير". وفي حديث له مع مجموعة من كوادر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي عشية ثورة 1905 في روسيا القيصرية ذكر بان الجماهير لا تتعلم السياسة من بطون الكتب بل من الحياة وهي التي تختار الشكل المناسب لها من اساليب النضال ودعاهم الى الذهاب الى شعبهم والاندماج به والتعلم منه.
اما المادية التاريخية فهي تؤكد على ان الاساليب النضالية لا تفرض على الناس فرضا وهي يجب ان تتناسب مع مستوى وعي الناس وقناعتها، فالناس هي صانعة تاريخها ولكل فرد في المجتمع دور في صنع التاريخ.
وفي مؤلفه "مستلزمات كفاحنا الوطني" كتب الشهيد "فهد" عن التدرج في اتباع الاساليب النضالية والبدء بها من الابسط، وينبغي ان يراعى مستوى المزاج الثوري للجمهور لدى اختيار الاسلوب النضالي المعين. فهو ينبغي ان لا يتقدم على هذا المستوى فتبتعد الطليعة عن جمهورها وتصاب بالعزلة، وان لا تتخلف عن ذلك المستوى ففي ذلك مقتلها اذ تصاب بالذيلية ويبقى الجمهور يتصرف من خلال الوعي اليومي وهو قاصر ويفقد النضال الدور التوجيهي، الواعي والمنظم للطليعة وفي تاريخ عراقنا الحبيب تجربة مرة، تجربة المناضل الوطني الغيور المعروف امين الخيون عندما كان مقتنعا بالطهر الثوري، بالكفاح المسلح الذي تقام له القواعد والبؤر الثورية على حد تعبير دوبريه وعزيز الحاج في عمق الاهوار، وتوجه بنفسه الى الهور لتطبيق ما كان مقتنعا به فلم يلتحق به الجمهور لانه لم يكن مقتنعاً بذلك الاسلوب النضالي واحترم صيادو الاسماك في اعماق الهور طهره الثوري فلم يتطوع اي منهم لابلاغ الدوائر الامنية باماكن تواجده هو ومن معه عكس ما فعله البعض عندما قام ومن موقع الريبة بدوافعهم بمساعدة قوى الامن والجيش في مطاردة العناصر التي ارسلها عزيز الحاج بعد انشقاق القيادة المركزية وارسال بعض المجاميع الى اهوار الجنوب لبناء قواعد للكفاح المسلح وتمكين قوى الامن والجيش من تحديد مواقع تواجد تلك المجاميع سواء تلك التي توجهت الى الهور ربيع عام 1968 بقيادة احمد خالد ذكي وحسين ياسين ام التي ارسلت ربيع عام 1969 والاحاطة بها وابادة الغالبية العظمى منها، تماما مثل ما حصل للرمز جيفارا يوم توجه الى غابات بوليفيا من اجل تنظيم كفاح مسلح فيها، هو ابن الارجنتين وليس مواطناً بوليفيا.
وهكذا وجدنا انفسنا منذ العام 1966 ونحن نسعى لوضع شعار اسقاط طغمة عارف يحيى الدكتاتورية الرجعية، موضع التطبيق غير موحدين وبرز تيار في قيادة منظمة بغداد يعترض على اساليب الكفاح التي كانت تقرر في حينه كاسلوب "العمل الحاسم" الذي اقترحه عامر عبدالله مثلا ولا اريد ان اتحدث هنا من الذاكرة عما كان يدور في منظمة بغداد وكنت مطلعاً عليه بحكم موقعي الحزبي ضمن شبكة الكادر المتقدم في الحزب سواء كان قبل 7 ايلول ام بعده، بل اعود الى ما كتبه باقر ابراهيم في الصفحة 143 من مذكراته وهو كان مسؤولا لمنظمة بغداد عشية الانشقاق.
"كنت عشية انشقاق القيادة الحزبية يبدو وجود خطأ مطبعي هنا، فالمقصود القيادة المركزية - مسؤولا عن لجنة منطقة بغداد حيث كانت هذه اللجنة مركزا لفعاليات وتحضيرات تيارها وكانت مطالباتهم تتركز حول الامور التالية.
1- ان استلام السلطة هي مهمة الحزب الثوري.
2- الدعوة لاستقلالية الحركة الشيوعية العراقية (ويقصد بها عن الحزب الشيوعي السوفيتي).
3- اعادة النظر في القضايا القومية العربية وقضايا الوحدة والموقف من القضية الفلسطينية وقرار التقسيم.
4- العنف هو اسلوب النضال. ويضيف: "كانت العناصر الفعالة لتيار القيادة المركزية في لجنة منطقة بغداد هم حسين جواد القمر، مالك منصور، عبدالحميد الصافي، وخضر سلمان، كان كاظم الصفار قد اعتقل منذ بداية سنة 1967!
وفي الصفحة 144 يذكر ان لجنة المنطقة تتكون انذاك من 14 عضوا واذكر من بينهم الشهيد محمد الخضري، عبدالامير عباس (ابو شلال) عبدالخالق زنكنة، فتاح حمدون وعبدالحسن عيسى وغيرهم.
دار صراع فكري حاد داخل منظمات الحزب في بغداد وجد انعكاسا له داخل منظمات السجون وليلاحظ القارئ مما ذكر ان الامر لا يتعلق بخط اب والتخلي عنه، ام عدم التخلي بل حول الاساليب النضالية وايها الانسب في تلك الظروف، ومن خلال الجزع البرجوازي الصغير لدى البعض من خوض النضال الجماهيري المستديم واخذنا نسمع المصطلحات "اليمين" و"اليسار" و"الثوريين" و"غير الثوريين" واخيرا حسم الصراع باسلوب بعيد عن المبادئ التنظيمية بوقوع الانشقاق في ايلول 1967، وفي الحقيقة لم يكن ما دار صباح يوم 17 ايلول 1967 انشقاقاً بل عملية انقلابية استهدفت الاستيلاء على قيادة الحزب بقوة نقلت السلاح، بمسدسات نقلت الى بغداد من خارجها، اذ لم تكن بحوزة منظمة بغداد مسدسات من النوع الذي استخدم صباح 17 ايلول 1967، وحتى وهم عندما اعتقلوا ربيع عام 1969 واودعوا قصر النهاية، في النقاشات التي كانت تدور بينهم وهم في المعتقل وجرى تسريبها الى احدى المجلات العربية وتابعتها في حينها ولست اذكر الان بالضبط ان كانت الصياد او الوطن العربي كانوا يحتجزون علي كاظم الصفار عندما كان يستخدم كلمة الانشقاق في وصف ما جرى في 17 ايلول 1967.
ولست ادري هل سيقول "همام" حول ما اورده باقر ابراهيم في مذكراته بانه لم يعلم بذلك إلى الان كما قال بخصوص ما كتبه الرفيق الحلوائي عن التخلي عن خط اب في 20 نيسان 1965.
مرت سنون بل عقود من السنين، على تلك الايام التي عشناها بكل تفاصيلها وتجاوزناها ولم تعد تشغل بالنا ولا نذكرها الا عندما يطلب منا الباحثون الاكاديميون المتخصصون في كتابة التاريخ، تزويدهم بالمعلومات عما جرى ومثلما هو لا زيادة ولا نقصان، لغرض البحث العلمي والتسجيل التاريخي لمجريات الامور.
واكثر من هذا ففي الصفحة 65 من مؤلف الكاتب سيف عدنان رحيم القيسي المعنون "قراءات في ذاكرة عزيز محمد" طرح الرفيق عزيز محمد مقترحا بطي صفحة ماض دخل ذمة التاريخ حيث قال: "اعتقد انه من الضروري اسدال الستار على احداث الماضي والبحث عن الجديد".
واضيف هنا: ان منظمة حزبنا في قضاء الشطرة بمحافظة ذي قار، لاحظوا كيف نتصرف بانسانية وبحمية تجاه شهداء نضال الشعب العراقي مهما كان انتسابهم السياسي حتى اذا كانوا قد الحقوا بنا ضررا لا ينسى، عندما احيت مؤخرا الاحتفالات بذكرى ثوار الغموكة لم تمجد انتفاضة فلاحي الغموكة ربيع عام 1968 دفاعا عن ارضهم التي حاولت سلطات عبدالرحمن عارف انتزاعها منهم واعادتها الى السراكيل، ولا استشهاد رفاق اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في ارياف الكوت والشطرة وفي المقدمة منهم سكرتير الجنة المحلية الشهيد صالح احمد العبيدي ابو محيسن) في تموز 1971 مثلما مجدت استشهاد جماعة خالد احمد زكي وهي تعرف جيدا انهم توجهوا وكان عددهم اثني عشر مقاتلا كما يؤكد عزيز الحاج في الصفحة 244 من مؤلفه شهادة للتاريخ الى اهوار الغموكة ربيع عام 1968 من اجل بناء بؤرة ثورية في اهوار الجنوب لخوض الكفاح المسلح ضد سلطة عارف واستشهدوا هناك كانوا على ملاك القيادة المركزية وليس على ملاك الحزب الشيوعي العراقي وتوجهوا بأمر من عزيز الحاج وليس بأمر من عزيز محمد.
وعلى كل حال يبقى التاريخ هو التاريخ يسجل للجميع ما لهم وما عليهم بغض النظر عما اذا كان ما يسجله يعجب البعض منا او لا يعجبهم، وينكره البعض منا او يقره.