المنبرالحر

حلبچه، الجينوسايد، داعش / ئاشتي

«1»
كان ذلك المساء الأصفر، المساء الذي نثر السم الأصفر على جدائل الصبايا وعلى عيون الأطفال، على أثداء الأمهات وعلى أكتاف الرجال، كان ذلك هو الموت الأصفر، يبدو للموت أكثر من لون وشكل وحجم، ولكن الأكثر بؤسا هو الموت الأصفر، لأنه يتسرب بين الخلايا مثل سم عقرب سوداء، موت يخدع ضحاياه برائحته حين يكون برائحة الفاكهة، موت يخدع ضحاياه بلونه رغم أنه ليس من ألوان قوس قزح، كان ذلك المساء الذي لا يفارق الذاكرة، المساء الذي انتشر فيه الموت بين البيوت ، على الأشجار، في الشوارع، على الصخور وفي عيون الماء الرقراق، موت بحجم الظلام الذي خيم في تلك الليلة على مدينة كانت تحلم بشمس ربيعية صباحا، ولكن الموت في ذلك المساء أغتال جميع أحلامها.
«2»
الأسئلة الساذجة تؤدي دائما إلى أجوبة ساذجة، هكذا قال الحكماء، ولكن منْ يحدد سذاجة الأسئلة يا ترى؟ هل مفرداتها، محتواها، وقت ومكان طرحها أم الحالة النفسية للذي يطرحها؟ وهل السؤال الذي يتناول سبب الموت المجاني يرتدي جلباب السذاجة؟ إذا لم يكن كذلك فلماذا كل هذا الموت؟ الموت بالمفرد الموت بالجمع، كلما حاولت أن تبصر السبب الذي يقف خلف كل هذا، لا تجد غير جواب واحد هو شراسة النزعة الحيوانية في روح الإنسان.
«3»
في مساء آذاري جميل تسمع من الرفيق المسؤول عن الاتصال اللاسلكي خبرا أصفر بلون الموت، أو في الحقيقة هو الموت بعينه، قال اغتالوا حلبچة بكاملها، اغتالوها بدم بارد، اغتالوها بالسلاح الكيمياوي، اغتالوا كل شيء فيها، وليس هناك غير الجثث مرمية في الشوارع، في البيوت، في الحقول والمزارع، عند عيون الماء، بعد ذلك تناقلت الوكالات خبر استشهاد المدينة، انتشرت صور الضحايا، وأصبحت مفردة الجينوسايد هي المفردة الملازمة لمدينة حلبچة. كان ذلك قبل 27 عاما
«4»
فی مساء حزيراني تنقل لك الشاشة الصغيرة صورا عن قطعان بشرية تلبس الأسود وترفع رايات سوداء، تهتف بالموت لكل من لا يؤمن بما تؤمن، القتل عنوان أبجديتهم في الحياة، ليس هناك بديل عن الموت غير التابعية لهم وتنفيذ وصاياهم، تصفيات جسدية لكل المجاميع البشرية الأخرى، صارت مفردة الجينوسايد هي المفردة الملائمة لما يقومون به من قتل، كان ذلك قبل تسعة أشهر وما زال.
«5»
لقد أبدل صانع الموت ملابسه فقط مثلما يقول الشاعر الراحل شيركو بيكه س
(بدل الموت هيئته، كان الموت
يمر في أحد الأزقة المريضة للعاصمة،
بملابس عسكرية، مهندما ومرتبا
وبكل نجوم كتفيه وأوسمته وأنواطه،
رمقه أحد الأطفال وظل يرمقه،
وفجأة صرخ:
« أنه الموت، هذا هو الرجل الذي قتل والدي» )