المنبرالحر

حرائق الجنوب / قيس قاسم العجرش

لو كنتُ مسؤولا في إحدى المحافظات الجنوبية، خاصة البصرة والناصرية، لجنّدت المزيد من أبناء عمومتي كحمايات ولأشتريت المزيد من خيل الدفع الرباعي لمثل هذا اليوم أو اختار الهروب!
ولماذا لا اختار الاستقامة؟ ومكاشفة الناس؟ هذه لا احد يبدو راغباً فيها الى اللحظة.
الوضع مع سُكان هذه المحافظات ينذر بنقمةٍ شعبية عامة، سيكون من العسير معها أن يستمر أي مسؤول خدمي في محله ما لم يفصح أين أفنى عمله؟ وكيف بدد الفرصة في مجتمع مخدوم بشكل أفضل؟
طبعا نعلم أن مسؤولينا قتلوا ثقافة الاستقالة وتحمّل المسؤولية منذ زمن بعيد، ووضعوها خلف ظهورهم، أو أن أحزابهم الشرهة للسلطة أعلنت حمايتها لهم مسيئين كانوا أم محسنين.
لكن تظاهرات الجنوبيين المستمرة منذ أيام والمطالبة بالخدمات وضعت هؤلاء الذين لا يستحون مما (لم يقدموه) أمام حقيقة مُهمة مفادها أن ساعة الحساب الشعبي حتمية، تتأخر ويتم تأجيلها، لكنها حين تأتي ستأتي على شكل صاعقة.
ولو كان هؤلاء المسؤولون قد حسبوا حسابهم لمثل هذا اليوم لقدّموا شيئاً (لآخرتهم) في الوظيفة العامة التي استماتوا من اجلها، أراقوا ماء وجوههم على أعتابها، تحملوا السباب والشتائم من الناس، تورطوا بلغو طائفي يقترب من الجريمة المنظمة.
البصرة، للتذكير لنا ولهم، كانت أول مدينة في المنطقة تعطي شهداء على محراب المطالب الشعبية الخدمية، لم يناد احد بالرحيل ولم يناد احد فيها بإسقاط النظام ولم يتحرش أحد بالشرعية الديمقراطية التي يتشدق بها المتحاصصون للغنيمة، إنما كانت المطالب على طريق شرعية الأداء.
كي يكون المسؤول شرعياً في منصبه لا يكفي أن يأتي بالانتخاب إنما يجب ان يخضع ذاته الى شرعية المساءلة والمحاسبة عن الأداء، لأن الديمقراطية ليست وصفة يتناول جرعتها الناس مرة كل أربع سنوات.
البصرة منحت شهداء في تظاهرات الكهرباء عام 2010 وهي مستعدة على ما يبدو أن تمنح المزيد لكن الخطر في الموضوع أن القوات الأمنية التي قتلت (حيدر سلمان) شهيد تظاهرات الكهرباء ربما هي مستعدة اليوم أيضا لأن تقتل غيره طالما لم نسمع عن الحساب إلى هذه اللحظة، ودم المدرب محمد عباس ما زال دافئاً .
نصيحة إلى المسؤول الراغب في البقاء، إما أن تتحصن بمدرعات وجنود من أقاربك وعشيرتك كي يحموك على ما أنت فيه من فساد وتورّطهم معك وتدخل بهم حرباً أهلية في المحافظة وإما أن تكون شجاعاً فتحاسب من هم دونك على أدائهم وتبرئ ذمتك علناً من سوء التصرف في ملف الخدمات الذي غرقت فيه بعض الحكومات المحلية.