المنبرالحر

الجريدة والحياة / ريسان الخزعلي

* قال لي: الا ترى أنكم لا تقتنون جريدة «طريق الشعب»؟ كما ان الكثير من الكتاب والأدباء المحسوبين على خطها لا يكتبون فيها!
قلت: كيف توصلت الى هذا الانطباع؟
قال: كلما دخلت الى «منتدى بيتنا الثقافي» وهذا مثال أجد العشرات من الأصدقاء، يتناوبون على إستعارة نسختي الشخصية من الجريدة؛ ولم ألحظ إلا القلة منهم يشترونها، وأرى ذلك خللاً معرفياً توصيلياً لا بد من الانتباه اليه ومعالجته من خلال الطرق المتاحة المعروفة. أما فيما يخص الكتابة فيها، فأجد الكتّاب والأدباء يتزاحمون على الكتابة في الصحف الأخرى، وأرى ان السبب يتعلق بعدم منح المكافآت - كما تفعل هذه الصحف - لاحتمال قلة الموارد المالية؛ حيث تمتنع الكثير من الدوائر الرسمية عن نشر اعلاناتها لاسباب بعيدة عن المنطق الاعلامي والترويجي.
وفي الوقت الذي اجاب فيه السائل ضمناً على جزء من سؤاله، قلت له: الا ترى ان جريدة «طريق الشعب» توزع احياناً بالمجّان في بعض الأماكن من اجل التوصيل كونه الغاية الأساس؟ اضافة الى ايجاد اسلوب جديد في التداول، كما ان لها مهرجاناً سنوياً يهدف الى التفاعل المباشر مع الناس؛ والجريدة كما ترى، جعلت من اولويات اهتمامها متابعة شؤون المجتمع عامة؛ وتضم ابواباً متنوعة في السياسة والاقتصاد والثقافة والأدب والأدب الشعبي والفنون وحياة العمال والفلاحين والطلبة والشباب والمرأة والشهداء والموقف العربي والعالمي من الأحداث التي تحصل... الخ.
قال: اعرف هذا، ولكن اتمنى عليك في أي حال من الاحوال، ان تعرض وجهة نظري هذه في عمودك الأسبوعي، وستجد الصدى المتوقع، وقد يكون محاولة منا نحن الاثنين في الحث على الاقتناء بما هو اوسع مما يحصل.
شكرت السائل على هذا الاهتمام والحرص، ووجدت من المفيد ان أدرج ما كان يقوله (هيغل) عن قراءة الجريدة، وملاحظة العمق المعرفي الذي يوليه هذا المفكر لدور الجريدة في الحياة. يقول هيغل: قراءة الجريدة صباحاً هي نوع من الصلاة الصباحية الواقعية. والصلاة الصباحية في قول هيغل تعني في أهم ما تعنيه، هذا الأنصات الحسي والروحي لايقاع الحياة الراكض الذي لا يمسك به إلا من خلال الجريدة كمتابع اول لهذا الإيقاع. وقد علق الشاعر الكبير (أدونيس) على قول هيغل بتنويع معرفي آخر حيث يقول: ان الجريدة، رمزاً وواقعياً، في الحياة، وفي الثقافة، وفي القيم. فالجريدة مشروع يتجدد يومياً، كما لو أنها مختبر متواصل، لا للنظر وحده، وانما للممارسة كذلك. ولا للفكر، وحده، وانما للعمل ايضاً. وهي، في هذا كله، مختبر للمعرفة والحرية والاخلاق.
هكذا ترسم الجريدة حركة التغيير في ابعادها الشاملة، السياسية والاجتماعية والثقافية. وهي، بوصفها كذلك، باب مفتوح على الكون، يتيح لنا ان نعيش احداثه يوماً يوما، وان نكتشفه لا في ضوء الخبر وحده، وإنما كذلك في ضوء الأفكار، ولقائها، وتفاعلها. وليست وسائل الاعلام المرئي والالكتروني إلا تحولات لمعنى الجريدة، أو امتدادات وتنويعات.
وبالعراقي، كان التعليق الواعي يقول:
إفتهمنه قصدك... لا إتسويهه اطلابه علينه!!