المنبرالحر

هوامش عن الحصول على المعلومة باعتبارها عنصراً من عناصر حرية التعبير / هادي عزيز علي *

الحصول على المعلومة وليس (الوصول الى المعلومة), حق من حقوق الانسان اعتمدته الدول الديمقراطية في الغالب, وهو التزام من السلطات بتيسير ذلك, الا اذا كانت تلك المعلومة محمية بموجب نص قانوني لاعتبارات تتعلق بمصلحة الدولة العليا, اذ ان هذا الموضوع ليس منة من احد يتفضل بها على المواطنين بل هو يستند الى مرجعية تشريعية دولية تعتبر ان (لكل انسان الحق في التماس مختلف ضروب المعلومات والافكار وتلقيها ونقلها الى الاخرين ..), المادة 19 /2 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .
على الوزارات او الدوائر غير المرتبطة بوزارة ان تمكن طالب المعلومة من الحصول عليها كونها حقا للطالب, بل ان المفترض بتلك الجهات وقبل طلب المعلومة منها ان تبادر الى نشر المعلومات بتقارير فصلية او نصف سنوية او سنوية تعزيزا لمبدأ الشفافية, فهذا الاجراء ان حصل يمنح تلك الجهات الثقة بالنفس ويجعلها تتمسك بمسؤوليتها والدفاع عنها من دون خوف او وجل ,ويؤدي الى حسن السير بالمرفق العام الى الاهداف المرسومة له . فضلا عما تقدم فان ذلك يجعل تلك الجهات في منأى من الاقوال والاراجيف والقصد الكيدي وتهم الفساد . ان التعتيم على المعلومة وغلق الابواب وعدم الكشف عنها والتذرع بالسر المهني والحيلولة دون وصولها الى الاعلام او المواطنين وبشتى الاساليب والحجج فان ذلك يعني تاسيسا للفساد بشقيه الكبير والصغير,اذ ان الفساد يوجد بآليتين الاولى وضع اليد على المال العام من خلال تواجد المسؤولين في مواقع متقدمة في الحكومة بالاضافة الى اولادهم واصهارهم والاقارب, والثانية: التعامل بالرشوة من قبل المسؤولين والموظفين سواء تم ذلك في قطاع الحكومة ام القطاع الخاص من اجل تسهيل عقد الصفقات وتبادل المنافع, والعراق مثال واضح على هدر المال العام ,اذ تم ذلك في غياب الحصول على المعلومة .
التأكيد على تفعيل التزامات العراق بتعهداته الدولية وعلى وجه الخصوص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, اذ ان العراق قد صادق على العهد المذكور بالقانون رقم 193 لسنة 1970ونشر في الوقائع العراقية بالعدد1927 في 7/10/1970, وبذلك اصبح قانونا عراقيا له ما للقوانين الاخرى من قوة الالزام, حتى ولو الغي العهد المذكور من الجهة التي اصدرته, ولما كانت المادة 19 من العهد المذكور قد تضمنت ثلاثة عناصر, الاول الحق في اعتناق الاراء من دون مضايقة والثاني الحق في البحث عن المعلومة والثالث الحق في الحصول على المعلومة, وبذلك فالعراق ملزم وطنيا ودوليا بتلك النصوص التشريعية . وان عدم الالتزام بذلك يشكل مخالفة لقانون وطني هذا اولا, وتخلف عن التزاماته الدولية ثانيا .
ان الحصول على المعلومة يؤدي الى تنشيط حركة البحث العلمي من خلال توفير المعلومات والاحصائيات لمراكز البحوث والجهات الاكاديمية من اجل اعداد الدراسات والبحوث في الجوانب السياسية والاقتقصادية والاجتماعية وسواها من الانشطة الاخرى التي تسهم في البناء المؤسسي للدولة وانشطتها المختلفة, ثم ان اتاحة المعلومة يفعل مبدأ تكافؤ الفرص للباحثين والدارسين, ويسهم في نشر ثقافة الشفافية بدلا من ثقافة السرية والكتمان وييسر الامر للسير على الدرب الديمقراطي, وقد ضرب العراق مثالا في ثقافة التكتم والسرية مما حال دون وجود مراكز بحثية رصينة او دراسات مستوفية للمعايير العاملية مع غياب قواعد للمعلومات كل تلك اسباب جعلتنا في الوضع الذي نحن فيه . ان اي تشريع يتضمن الحصول على المعلومة سواء ورد ضمن مشروع قانون حرية التعبير او ضمن مشروع قانون للصحافة او ان يصدر بشكل مستقل تحت ذات المسمى لا بد ان يشمل المضامين التالية : اولا الحصول على المعلومة هي عنصر من عناصر حرية التعبير, وحرية التعبير مكفولة بحكم المادة 38 من الدستور, اي ان لها العلوية على كافة القرارات الادارية ومهما علا شأن مصدرها . ثانيا ان هذا الحق اذامنح الى وسائل الاعلام والمراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدني, فانه يمنح الى المواطنيين ايضا . ثالثا الاصل ان المعلومات متاحة للجميع, والاستثناء ( السرية) ان تكون مقيدة وبحدود ضيقة لاعتبارات المصلحة العليا للبلد وبنص قانوني . رابعا اتباع اجراءات سهلة وميسرة وسريعة ومجانية للحصول على المعلومة . خامسا اذا تم رفض الطلب من قبل الادارة فيجب ان يكون الرفض مسببا بشكل قانوني, ومع وجود التسبيب فان ذلك لا يمنع من الطعن به وفق احكام المادة 100 من الدستور التي حظرت تحصين القرار الاداري من الطعن . سادسا تشكيل اجهزة مختصة في الجهات ذات العلاقة لتزويد المعلومة لطالبيها . ان الحصول على المعلومة وكما اسلفنا يرسخ الشفافية ويرشد الادارة ويمكن من تسهيل امر محاسبتها كما انها ترسي ركائز الحكم الصالح, اذا اتفقنا على ان الحكم الصالح المقصود به هو ذلك : (الحكم الذي تقوم به قيادات منتخبة, وكوادر ادارية ملتزمة بتطوير موارد المجتمع, وبتقدم المواطنين وبتحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم, وذلك برضاهم, وعبر مشاركتهم ودعمهم). والمرتكز على ابعاد ثلاثة: (الاول البعد السياسي اي السلطة السياسية وشرعية تمثيلها, والثاني البعد التقني: اي الادارة الكفوءة والفاعلة, والبعد الاقتصادي الاجتماعي: المتعلق ببنية المجتمع المدني ..). ومن دون الشفافية التي يشكل الحصول على المعلومة احد مبادئها لايمكن الوصول الى الحكم الصالح . لا يمكن تحقيق حق الحصول على المعلومة بالطريقة البدائية (الارشفة الورقية) الموروثة عن العهد العثماني والتي ما زالت متبعة في العديد من مرافق الدولة, بل لا بد من وجود جهاز تقني متطور خاص بالمعاملات الالكترونية مستمد من تشريعات حديثة ومتنوعة خاصة بالتوقيع الالكتروني, ونظام للتجارة الالكترونية وتقنين المواقع الالكترونية, ونظم ارشفة وحفظ المعلومات الكترونيا, والحماية الشخصية للمراسلات الالكترونية, والحماية الفكرية في النطاق الالكتروني, فضلا عما تقدم ان يكون هناك كادر بشري مدرب وقادر على التعامل مع الواقع الالكتروني. مع وجود الكادر المتمكن من الاشراف على ذلك النشاط.
ان تحقيق هذا الهدف لا يمكن ان تقوم به السلطة التشريعية لوحدها - ان اقتنعت به -, اذ انه ليس جهدا تشريعيا فحسب بل يجب ان تتضافر كل الجهود لتحقيقه, من منظمات مجتمع مدني وناشطين في مجال حقوق الانسان ومؤسسات بحثية واكاديمية واحزاب سياسية والعاملين في وسائل الاعلام وكل من يعنيهم هذا الموضوع, من اجل ان يرى النور, اذ الامنيات والتنظير له لم تأت بالنتائج المرجوة, بل الامر يتطلب جهدا مثابرا يقف بوجه ثقافة التكتم والتستر التي تملك القوة والمكنة للوقوف بوجه اي مشروع تنويري يحاول التصدي لمكتسباتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*قاض وباحث قانوني