المنبرالحر

الهدر في الموازنة العراقية قصة لا تنتهي / حكمت عبوش

من الطبيعي ان يكون الحرص على المال العام وصيانته من الهدر والضياع والسرقة من اهم واجبات الحكومة، وبمقدار نزاهتها ونظافة يدها تنال رضا الشعب وتأييده ولكن يبدو ان هذا الحرص كان مفقودا الى حد كبير عند الحكومات السابقة .فقد كانت الموازنة العراقية تعاني إهدار وضياع الكثير من الاموال بعد سقوط الطاغية الى الان والذي اوشك ان يبلغ اثني عشر عاما وهذا ما أعلنه نواب ومتخصصون آخرون ، من ان ما دخل الخزانة العراقية منذ عام 2004 حتى 2014هو 1000ملياردولار ولكن هل نرى على أرض الواقع- بعد طرح الموازنة التشغيلية- ما يوازي الموازنة الاستثمارية من مشاريع ومنجزات اقتصادية في الصناعة والزراعة وجوانب الحياة الاخرى؟ ثم كانت شهادات النواب المتخصصين بالرقابة والشأن المالي، ومن كتل مختلفة ومنها ما صرحت به النائبة ماجدة التميمي عضو اللجنة المالية في البرلمان يوم 4آذار الجاري على (قناة الشرقية)من ان ماضاع واهدر من ميزانية العراق منذ عام 2004حتى 2014 يتراوح بين 300-350 ترليون دينار وكان قبلها النائب مسعود حيدر العضو الاخر في اللجنة المالية قد قال: ان الاموال المهدورة في العراق منذ 2004 لغاية 2012 تقدر بـ 245مليار دولار واضاف ان ماقيمته 185 ترليون دينار هو فائض الموازنات العراقية السابقة منذ عام 2004 لغاية 2012 وقد اختفى من البيانات الختامية التي وصلت الى لجنته وان لا احد يعرف اين صرفت وان الرصيد النقدي العراقي لعشر سنوات مضت كان 114ترليون دينار ولم يبق منها الان سوى (ترليونين و400الف دينار)والبقية (ذهبت مع الريح ) وقال ان اعضاء مجلس النواب يحاولون تمرير موازنة 2015باقل عجز ممكن, ولو كانت تلك الاموال موجودة لما كان هناك عجز فضلا عن ما قاله النائب قادر محمد عضو اللجنة المالية من ان الاموال التي صرفت خلال عام 2014 لا نعرف عنها ولاعن مصيرها شئ وقال النيازي اوغلو مقرر مجلس النواب :ان الاموال المجمدة و المصادرة واموال مذكرة التفاهم للنفط مقابل الغذاء والدواء لانعلم الى اين ذهبت ولا يوجد وضوح واحصائيات في ابواب صرفها كما لاتوجد احصائيات بشانها .وقال في حديث صحفي : ان البنك المركزي لم يزودنا بأبواب صرف تلك الاموال .ان هذا الهدر اللامعقول للثروة العراقية والذي لم يسبق له مثيل يفسر بشكل واضح حالة البؤس التي يعيشها الكثيرون من ابناء الشعب حيث انتشار الفقر والجهل والمرض وتدني المستوى المعيشي والصحي والتعليمي وانتشار الامية والبطالة ورداءة السكن حيث لايزال في بغداد وحدها مثلا 127حيا عشوائيا يسكنها 1.6مليون نسمة ،ناهيك عن مآسي الاطفال ومدارسهم وتسربهم منها وتسكع قسم كبير منهم في شوارع المدن وازقتها وتبرز الان مسالة النازحين الذين وصلت اعدادهم الى اكثر من مليونين ونصف مليون عراقي بعد ان ارغمهم داعش المتوحش على ترك دورهم وبلداتهم ليسكن معظمهم في الخيم والكرفانات وبنايات غير مكتملة لا تتوافر فيها اية مستلزمات للسكن في الحد الادنى، وكل هذا يتداخل مع حصول بلادنا على درجات متقدمة في الفساد والرشوة وانتشار الفضلات والتعاسة والفضائيين وغيرها من جوانب الحياة .ان الصوت العراقي القوي يرتفع ليقول ان كل هذه المآسي والكوارث لم تكن لتحدث لو كانت الكتل السياسية المتنفذة قد تركت خلافاتها وصراعاتها من اجل الحصول على الحصة الاكبر من الكعكة مستخدمة في ذلك الكثير من اساليب المحاصصة الطائفية والاثنية والدينية ، وهناك الكثير من قادة هذه الكتل ومن دون وجه حق يعتقدون ان كل ثروات العراق مستخرجة من الاراضي المحيطة بأبراجهم العاجية العالية في المنطقة الخضراء، ناسيا أومتناسيا ان مستخرجي هذه الثروات الحقيقيين بقوة عضلاتهم وعرق جبينهم من ارض العراق كلها هم من العمال والفلاحين وباقي العاملين سواء كان المنتج نفطا او غازا او محصولا زراعيا او سلعة مصنعة او اي عمل يؤديه بابداع ومهارة العسكري و الطبيب والمهندس والاستاذ والمعلم والممرض والتاجر وكل العاملين في زوايا المجتمع الكثيرة وكل فرد من هؤلاء ينال حصته من الموازنة بجهده وعمله وليس مثل مايحدث الان حيث يحصل الوزراء والنواب والمستشارون و مالكي الرسامييل الجدد الملايين من الدنانير والامتيازات الكثيرة بينما اغلبية الشعب وملايين منه دون مستوى الفقر و ملايين اخرى على خط الفقر او فوقه بقليل. وكان ما قاله د.حيدر العبادي رئيس الوزراء في البصرة يوم ( 29/12/2014) بضرورة إدانة المحاصصة والقضاء عليها لم يأت عبثا بل جاء بعد ظهور وتجلي عيوبها وآثارها الخطرة على العراق وقد سبقت الاشارة والتاكيد على هذا الدور الهدام للمحاصصة من قبل قوى مدنية ديمقراطية ودينية طوال السنوات الماضية. ان ترك المحاصصة كما هي من دون ايقافها و التخلص من مهازلها لا يعني سوى استمرار الفساد و ما يسببه من تخلف و ضعف و عجز وتوزيع غير عادل للدخل وتفكيك خطر للمجتمع و الى ما لا يحمد عقباه من آثار ضارة شديدة الوطأة على مجتمعنا قد تنهيه. ولذلك فأن تصفية المحاصصة هي الخطوة الاولى الاساسية لإنهاء الفساد وان هذا الإهدار المزمن ليس في اموال الموازنة فقط بل في كل المال والجهد و الزمن العراقي الذي سيرافقه التوجيه الجاد لإرساء قواعد المجتمع المدني الديمقراطي باستحقاق ومن دون رجعة الى قيم ما قبل الدولة, قيم القرون الوسطى البالية.