المنبرالحر

جينوسايد والحماية الدولية والإدارة الذاتية / ناظم ختاري

ليس هناك شك إن ما تعرض له الأيزيديون من حملة إبادة جماعية على يد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في 8.3.2014 تحقق في ظروف ملتبسة من صراع المصالح أدى إلى اشتداد قبضة قوى الإرهاب وانهيار الجيش العراقي في مدينة الموصل وسيطرة تنظيم الدولة على أراضي واسعة في مدن تكريت والأنبار وديالى وبالتالي انهيار قوات البيشمه ركه أمام زحفه على خطوط التماس بين إقليم كوردستان والأجزاء العراقية الأخرى ، إذ استطاع استباحة سنجار دون مقاومة ومارس أبشع جرائم القتل والسبي للنساء وانتهاك حرمات بنات وأبناء المجتمع الأيزيدي.
وعلى أثر ذلك أتهمت هذه الجهة أو تلك بالمسؤولية إزاء الكارثة التي حدثت آنذاك والتي انسحبت عواقبها لحد يومنا هذا ووضعت العراق على كف عفريت والأيزيديون والأقليات الأخرى في دولاب طاحونة الانقراض عبر المزيد من القتل والتشرد والتهجير.. و لذلك من الطبيعي جدا أن يلجأ الضحايا إلى أية وسيلة نجاة والتمسك بها لإنقاذ ما تبقى لهم ، خصوصا عندما تتخلف الحكومتان المركزية والإقليم عن التحقيق حول الأسباب التي أدت إلى كل هذه الكارثة وعدم الجدية في معالجة نتائجها بما ينسجم مع حجم الدم المراق وهدر الكرامة والخراب وبالتالي انتشال العراق ومواطنيه وخصوصا الأيزيديين والأقليات الأخرى من فوهة الجحيم المستعر والمصير المجهول ، ولذلك فإن من حقهم دعوة المجتمع الدولي للتدخل لإيقاف محنتهم .
وهذا ما يتحرك عليه الأيزيديون والمسيحيون عبر مجموعة شبابية متحمسة ومدركة لحجم المخاطر التي تعرضوا لها وتأثيرها على مستقبلهم ، وتوج هذا التحرك المنظم بتظاهرة كبيرة جرى تنظيمها أمام مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل في 23.3.2015 وذلك قبيل جلسة البرلمان الأوروبي والمزمع انعقادها في يوم الخميس 26.3.2015 وجلسة مجلس الأمن الدولي والتي ستنعقد في 27.3.2015 يوم الجمعة في جنيف بسويسرا .

ورافقتها تظاهرات عارمة في كل مخيمات النازحين في إقليم كوردستان ، وثمة حاجة إلى القول بأن هذه التظاهرات مجتمعة حملت مطالب الأيزيديين الجدية إلى المجتمع الدولي والتي اختصرت بأهمية الحماية الدولية للمناطق الأيزيدية والمسيحية واعتبار ما حصل في سنجار حملة إبادة جماعية "جينوسايد" والعمل الجدي لتحرير المختطفات والمختطفين لدى داعش وتلبية احتياجات النازحين والتخفيف من معاناتهم والتوجه لتحقيق الإدارة الذاتية على مناطقهم .
هذه المطالب تنسجم تماما مع شراسة وتوحش تنظيم الدولة الإسلامية ، ومن واجب المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاه هذه الأقليات التي تعاني محنة حملة الإبادة الجماعية والنزوح والتشرد والتهجير .. ومما يؤسف له إن هذا التحرك اصطدم ويصطدم برغبات البعض الذين ليس لهم الحق في منع هذه الأقليات من أيصال صوتهم إلى المجتمع الدولي لرسم مستقبلهم والحصول على حياة آمنة وضامنة لهم ، خصوصا إذا كانوا هم عاجزين عن توفير الحماية اللازمة لأبنائها ، كما ليس من حق قوى الأمن والآسايش التعرض لمظاهراتهم ونشاطاتهم وممارسة القمع والاعتقال بحقهم ، ومن الأهمية بمكان أن يقف الجميع إلى جانب هذه المطالب كونها تساهم على استقرار الأوضاع العامة وإيقاف العنف وإعادة الحقوق إلى أصحابها .
فالأيزيديون والمسيحيون والشبك يشعرون بخيبة أمل ويشعرون بأنهم ضحية صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل ، يمتد منذ ما بعد سقوط النظام البائد والذي مر بمراحل قاسية حتى اتخذ هذا الشكل المتوحش بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية ، هذا الصراع الذي تراهن عليه القوى الطائفية في الطرفين من أجل الحصول على المزيد من المكاسب في مواقع السلطة وبدعم إقليمي غير أخلاقي ثمنه الكثير من الدم والمزيد من التمزق الاجتماعي وتشظي العراق .