المنبرالحر

خَالِف تُعْرَف - سهير الوندي

إذا أردت أن تجذب الإنتباه وتسلط الأضواء عليك خالف الأعراف والتقاليد وكل ما هو مألوف لدى الآخرين، وإذا أردت أن تكون مشهوراً ويسطع نجمك فأفعل ودون استحياء ما يخجل أن يفعله الآخرون فسترى نفسك وبفترة قياسية موضع إهتمام الأغلبية وستحلِّق في سماء الشهرة ساطعاً نجمك لامعاً، وستسافر على متن سحابة وهمية تحسسك بعظمة إنجازاتك الخيالية لتهبط في واحة من سراب لترى وجوه المنافقين تصفِّق لك بأعينهم في الوقت الذي تكون أياديهم مشغولة بمعانقتك وألسنتهم تمجدك وأقلامهم تسجل تاريخك العظيم مطرَّزاً بخيوط عارية من الحقيقة ، وإذا أردت أن تشتهر أكثر وأكثر دوِّن في يومياتك على صفحات التواصل الاجتماعي موضوعات تستفز الشهوة وتستثير الرغبة لدى ناقصي العقل والحكمة والإتِّزان الخلقي ليمطروا عليك إشارات الإعجاب وتعليقات تجعل منك سيد الرجال أو سيدة النساء ، وسيضمنون لك الدخول إلى الجنَّة ببطاقة اِئتمانية وضمانة أبدية على إعتبارهم خلفاء الله في الأرض ، وإذا أردت أن تكون مشهوراً أكثر وأكثر وأكثر فأعزف على وتر الوطنية المُزَيَّفة وأقرع طبول الحماسة المُجَوَّفة وأشعل روح الإيثار السادي فستجد نفسك وبلمح البصر وقد أصبحت مناضلاً وطنياً وزعيماً يقود مجموعة من المؤيدين الغائبين عن الوعي الواقعي وسيتبعونك لا شعورياً كإتِّباع قطيع الغنم للراعي ، وهكذا خالِف تُعْرَف ، وأفعل ما شئت ونسب لنفسك ما ليس فيك طالما الأغلبية في غيبوبة إختيارية ، وأكتب ما شئت واستعرض نفسك كما تشاء طالما هناك مهرجانات كذب ونفاق تقام على شرف الأدعياء المُهَرِّجين وأحصل على شهادات تقديرية ورقية علِّقها على جدار الزمن المقلوب رأساً على عقب ليكون مصيرها في النهاية قوارب ورقية يصنعوها أبناؤك ليبحروا بها إلى ضِفَّة المجد الطَّريف لتعيد الحياة دروتها العكسية من جديد . للأسف هذا هو الواقع المؤلم بعد ظهور البعض الذي يشعر بالدونية والنقص وفاقد الثقة بالنفس محاولاً تعويض نقصه بالإستعراض الرخيص لصوره الشخصية بأوضاع متعددة وفي أماكن مختلفة والتباهي المريض بالجرأة في النشر إلى حد تخديش الحياء بحجة الديمقراطية اللعينة وحرية التعبير عن الرأي الفاضح أو الرأي الوطني الزائف الذي يختبأ خلف قناعه خائن أو عميل ومثل هذا الأمر ان دل على شيء فإنما يدل على شخص مضطربٍ نفسياً ويعاني من عقدة ما أو مجموعة عقد أو شخصٍ مغرضٍ يعمل لصالح جهات معادية ويحمل أجندات تدميرية وفي الحالتين يكون الشخص غير سوي وبحاجة إلى علاج أو ردع ومثل هذا البعض لم يجد أمامه سوى صفحات التواصل الاجتماعي للإختباء وراءها ، فتراه يحجب عنه المحيط الحقيقي من الأهل والأقارب والأصدقاء كي لا ينكشف أمره وهو فرح بالجمهور الغفير من المعجبين والمعجبات على هذه الصفحات الذي تنطلي عليه حيل وألاعيب هذا البعض المريض والمضطرب نفسياً أو المغرض ، والجمهور هنا ينقسم إلى قسمين قسم بسيط التركيب ذو وعي محدود سرعان ما يقع في فخ المنشورات والصور التي تروق له وتناسب أهوائه، وقسم آخر معقد التركيب ذو وعي وإدراك ولكن يسير مع التيار الزائف ويؤيد كل ما ينشر خيراً كان أو شرا لغاية في نفس يعقوب ، وبالنتيجة نكون جميعاً أمام نوعية من الشخصيات تعيث في الأرض فساداً وتؤثر في المجتمع سلباً دون وازع من ضمير ودون أن يكون لهم رادع يضع لهم حدوداً لا يسمح بتجاوزها للحد من تأثيرهم التدميري والمخرب لعقول الناس ، وأخيراً أقول إن كنت لا تستحي فافعل ما شئت .