المنبرالحر

أبو مهدي وقوة المثل / مرتضى عبد الحميد

بمناسبة الذكرى الحادية والثمانين لميلاد حزبنا الشيوعي، ارتأيت أن اكتب عن بحر الحزب، وما يحتويه من لآليء، تطرز تاريخ الشعب العراقي، وتسطع شموساً في ظلام العراق المزمن، لتغذي بذرة التفاؤل بالانتصار، والأمل بتحقيق ما يصبو إليه العراقيون، وان غطتهما غيوم داكنة.
أنهم مناضلو حزبنا، الذين اجترحوا المآثر والبطولات، أو الذين سيجترحونها حاضراً ومستقبلاً.
كنا فتياناً، أغرتنا ثورة (14) تموز، بالدوران في فلكها، وانتزعتنا من هواياتنا في الشعر والرياضة، وفي الفنون الأخرى، لترمي بنا في عالم السياسة، دون أن نفقه شيئاً من إسرارها، أو نكون مهيئين للخوض في مياهها. لكن الذي ساعدنا على العوم فيها مبكراً، نماذج من البشر، كانوا يجذبوننا إلى مداراتهم، كما تجذب الحدائق الغناء الفراشات وأسراب النحل، لأنهم محترمون بشكل غير عادي، وتتلهف الناس لاستقبالهم والحديث معهم، فكان المثل الشعبي «الناس تحلف برؤوسهم» ينطبق عليهم تماماً. كانوا متميزين في كل شيء، وعندما نسأل عن السرّ في ذلك، يأتينا الجواب سريعاً على لسان العامل، والطالب، والكاسب، والفلاح، والمعلم: أنهم شيوعيون!
ومنذ أن استقبلت أذاننا، هذه الكلمة السحرية، صار هاجسنا، كيف الاقتداء بهم؟ والوصول إلى مستوى التزامهم الأخلاقي، وسعيهم المثابر لخدمة الكادحين وتحقيق أمانيهم وطموحاتهم؟
سأختار واحداً منهم، رغم صعوبة الاختيار، لأني استفدت منه كثيراً، بل هو أستاذي ومعلمي الأول، وقصة حياته تستحق الذكر والاستشهاد بها، انه الشهيد كاظم علي محمد العتابي «أبو مهدي» عضو اللجنة المحلية في واسط.
كان اميّاً، عندما دخل السجن، في قضية لا علاقة لها بالسياسة، وهناك التقى بالشيوعيين، وعاش بينهم، فأكتسب صفاتهم، واستوعب فكرهم، وإصرارهم على النضال مهما كانت وعورة الطريق ومطباته.
وعقب خروجه من السجن، انخرط في العمل السّري، وأتقن أدواته، بمساعدة رفاقه الأكبر سناً والأكثر خبرة، وسرعان ما اتضحت سماته القيادية، وامتلاكه حساً ثورياً وامنياً ملفتاً، فعلّمنا كيف نوازن بين الحماس وروح الاقتحام من جهة، وبين الحذر من جهة أخرى، وعدم الوقوع في فخ تصديق كل ما يقال، مردداً لازمته الأثيرة «ليس كل ما يلمع ذهباً» وليست حلاوة الكلام دليل على مصداقيته. ومن هذا المنطلق لم يكن يثق بالبعثيين أيام الجبهة اطلاقاً، وبمعيته كنا ندخل إلى مقر حزبنا في واسط بطريقة تفوت الفرصة على جواسيس البعث ومرتزقته، الأمر الذي أفادنا كثيراً، إثناء الهجمة الشرسة على حزبنا عام 1978-1979.
كان لا يمل من مطالبتنا بتثقيف أنفسنا، واستيعاب فكر الحزب وسياسته، ويمارس معنا النقد والنقد الذاتي، بدون مجاملة، وبقسوة احياناً، حتى على نفسه، وزرع فينا حب العمل بين الجماهير وأهميته، لأنه الأساس في عمل كل شيوعي مهما كانت صفته الحزبية، وموقع مسؤوليته. كما كان يختزن خبرة تنظيمية هائلة، وظفها في إعادة بناء منظماتنا الحزبية، أو إعادة ارتباطها بالحزب، كلما تعرضت إلى ضربة بوليسية، وما أكثرها. وفي هذا الجانب الحيوي أيضا تتلمذنا على يده، فكان بحق مثلنا الأعلى وقدوتنا.
لقد خلق ليكون شيوعياً، ولهذا بذل البعثيون جهوداً استثنائية لاعتقاله، واستشهد تحت التعذيب ببطولة يفخر بها كل الشيوعيين.