المنبرالحر

وجهة نظر في قانون المسائلة والعدالة / زهير كاظم عبود

بتاريخ 16/نيسان /2003 أصدر الحاكم المدني لسلطة الائتلاف قانون بأنشاء الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث ، كانت مهمة هذه الهيئة اجتثاث هيكل حزب البعث البائد في العراق وإزالة قيادته من مواقع السلطة ، وكانت وظيفتها تقوم على توفير معلومات تكشف عن هوية البعثيين من ذوي درجات عضوية محددة (عضو فرقة فما فوق) ليتم فصلهم من مرافق الدولة في حينها .
وبعد ذلك صدر قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية في العام 2003 ، حيث عالج العلاقة القانونية مع حزب البعث المنحل ، ضمن احكام المادة ( 31 ) منه ، حيث أشترط القانون لعضوية المرشح للجمعية الوطنية عدة شروط من بينها أن لا يكون عضوا في حزب البعث بدرجة عضو فرقة أو أعلى ، الا اذا استثني من ذلك حسب القواعد القانونية ، وفي الفقرة الثالثة من المادة المذكورة أشترط على المرشح إذا كان بدرجة عضو عامل عليه ان يقدم وثيقة براءة من حزب البعث ، وأن يقسم على عدم التعامل أو الارتباط بمنظمات حزب البعث ( ويقصد النص بعد 2003 ) .
كما أشترط القانون لعضوية مجلس الرئاسة ضمن الفقرة ( ب )من المادة ( 36 ) عدة شروط من بينها ، أن يكون قد ترك الحزب البائد قبل سقوطه في العام 2003 مدة عشر سنوات على الاقل .
وجاء الدستور العراقي الصادر عام 2005 ضمن المادة ( 7 ) منه لينص على حظر البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت اي مسمى كان ، ولايكون ذلك ضمن التعددية السياسية ، وشمل الحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او الارهاب أو التطهير الطائفي ، او يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له ، وخصوصا البعث الصدامي ، وذلك ضمن حظر هذه الكيانات المذكورة ، كما نصت المادة ( 135 ) على مواصلة الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث اعمالها ، وعلى اثر ذلك صدر قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة رقم (10) لسنة (2008) ، وقد نص في المادة ( 27 ) منه على احلال تسمية الهيئة الوطنية للمسائلة والعدالة محل تسمية الهيئة الوطنية لاجتثاث البعث ، وجرت تعديلات قانونية على القانون المذكور .
الا ان النص اشترط في الفقرة ثالثا من المادة ( 135 ) على من يترشح لمنصب رئيس الجمهورية ورئيس واعضاء مجلس الوزراء واعضاء مجلس النواب واعضاء مجلس الاتحاد والمواقع المتناظرة في الاقاليم واعضاء الهيئات القضائية والمناصب الاخرى المشمولة باجتثاث البعث ، ان يكون مرشحها غير مشمول بأحكام اجتثاث البعث ، ويستمر العمل بموجب الفقرة رابعا بهذا الشرط اعلاه مالم تحل هيئة اجتثاث البعث من قبل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة بعد انتهاء مهمتها .
وإذ يتم طرح مشروع قانون جديد للهيئة الوطنية للمسائلة والعدالة ، وهو البديل عن قانوني اجتثاث البعث الذي نص عليه الدستور ، او قانون الهيئة الوطنية للمسائلة والعدالة النافذ المفعول حتى الان ، وبغض النظر عن التبدل الذي طرأ على أسم الهيئة من الاجتثاث كما ورد في الدستور العراقي الى المسائلة والعدالة كما ورد في القانون ، فأن عملية الاجتثاث تعني القلع من الجذور ، والاستئصال من الأصل ، وهذه العملية يفترض انها من بين أهم مهمات الهيئة ، وهذه العملية لا تقوم بالقرارات والأوامر إنما تستند الى عملية ثقافية ورؤية دقيقة وعمل دؤوب من أجل نشر الوعي الشعبي والتعريف بخطورة البعث في الحياة العراقية حاليا ومستقبلا ، وكان بالإمكان الاستفادة من تجربة الكورد في أقليم كوردستان العراق ، ومن جمهورية جنوب أفريقيا في التعامل بمثل هذا الملف فيما يخص انهاء فكرة وجود الفكر الشوفيني او المتطرف .
فكرة الاجتثاث تعني معالجة الحاضنة الفكرية والثقافية والاجتماعية للحزب البائد ، تنظيف الارضية التي من الممكن أن تبقي البعث موجودا وفاعلا ، تعني معالجة الورم او القيح الموجود في الجسد العراقي ، وتخليصه من هذه الأورام والأمراض التي جعلت الجسد العراقي عليلا ، والعبرة ليست في عدم تمكين هذه العناصر من تبوء وظائف معينة في الوقت الحاضر ، إنما تكمن الفكرة في تخليص الأجيال القادمة من فكر البعث ، ولما لم تتمكن الهيئة من انجاز هذه المهمة لتواضع امكانياتها ، صار الأمر الى تعديل أسمها الى المسائلة والعدالة ، مما يعني تحول أهداف الهيئة من قلع البعث من جذوره الى مسائلة من ارتكب من البعثيين من الجرائم والعمل على ملاحقتهم ، وعدم تمكينهم من تولي وظائف ومراكز معينة في الدولة العراقية ، وكلا المهمتين حسب رأيي من مهمات القضاء العراقي ، وبالنظر لكون الهيئة مهما كانت تسميتها من مؤسسات السلطة التنفيذية ، فان تداخلها بالعمل القضائي يشكل خرقا لمبادئ الدستور واستقلالية العمل القضائي .
وبخصوص تسمية القانون بالمسائلة والعدالة ، فقضية المسائلة لم تكن من بين مهمات الهيئة ، فلا هي هيئة تحقيقية خاضعة للقضاء العراقي ، ولاهي جهة مختصة بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في زمن البعث البائد ، ولاهي هيئة تصدر الاحكام بحق مرتكبي مثل تلك الافعال ، أذن المسائلة لمن أذا كانت ابواب القضاء مفتوحة لكل شكوى مهما صغرت أو كبرت ؟ والقوانين الجزائية العراقية لا تعتمد سقوط الشكوى بمرور التقادم الزمني .
أن معنى كلمة مسائلة تعني الاستفهام أو السؤال ، أما العدالة فتأتي من العدل ، وتعني الأنصاف وضمان الحقوق ، وتامين العدالة مهمة تتطلب التحقيق والتدقيق ومن ثم إصدار الأحكام المتناسبة مع القوانين ، وتلك المهمة محصورة بالقضاء ، ولايمكن لأية جهة تنفيذية أن تشاركه بها ، بالنظر لاستقلالية القضاء ، وعدم جواز التدخل بشؤونه .
وخلال الفترة منذ تأسيس الهيئة في العام 2005 وحتى اليوم لم نلمس أي فعل أو تأثير في نشر الوعي والفعل المادي الذي يكرس ثقافة الرفض للبعث البائد ، وبقي عمل الهيئة محصورا ومحددا في منع ( البعض ) من البعثيين في تبوء مراكز او وظائف في الدولة ، في حين أصبح عدد كبير منهم اعضاء في مجلس النواب ، وتم تسليم اعداد منهم مراكز مهمة وحساسة في الحكومة ، كما ضمت دوائر الدولة والمراكز الرفيعة منها أعداد كبيرة منهم ، لذا فأن الأهداف الجوهرية للقانون لم يتم تحقيقها .
ومن يطالع ما ورد في الاسباب الموجبة للقانون يدرك بان مهمة الهيئة تنحصر في تطهير المجتمع العراقي ومؤسسات الدولة من البعثيين ، وتمكين المتضررين من حزب البعث والأجهزة الأمنية من مراجعة المحاكم ، وإحالة من ارتكب من البعثيين من الجرائم الى المحاكم المختصة ، وإيجاد قاعدة بيانات لتشكيل المرجع التاريخي لجرائم حزب البعث .
ونجد في الحاق الهيئة بالعمل القضائي ، بالنظر لإصدارها قرارات تتعلق بالحرية الفكرية وبالحقوق السياسية والمدنية للأفراد ، بالإضافة الى ان قراراتها خاضعة للطعن أمام هيئة مختصة في محكمة التمييز الاتحادية ، بموجب الفقرة تاسعا من المادة ( 2 ) من قانون الهيئة تتشكل من سبعة من قضاة محكمة التمييز الاتحادية يرشحهم مجلس القضاء الاعلى ويصادق على ترشيحهم مجلس النواب .