المنبرالحر

رحيل مبدع ...؟ رحيل الفنان المبدع خليل شوقي في بلد الأغتراب / صادق محمد عبد الكريم الدبش

بألم وحزن عميقين تلقينا نبأ رحيل المبدع والفنان والمثقف خليل شوقي ...عملاق المسرح العراقي ورائد التجديد والثقافة ومن أبرز مؤسسي فرقة الفن الحديث مع الفنان الكبير أطال الله في عمره ..يوسف العاني . رحيله هذا ...يشكل خسارة كبيرة للمسرح العراقي والعربي والعالمي ...ولا يسعني بهذه الفاجعة الأليمة ألا أن أعبر عن جميل المواساة لعائلته ...من أبناء وبنات الفقيد... ولجميع ذوي الراحل ، وأعزي الوسط الفني والثقافي العراقي بهذا المصاب الجلل . أن رحيل هذه الأعلام والهامات ...الثقافية والفنية والأدبية وهم في الغربة وبعيدا عن بلاد ما بين النهرين ...له دلالات محزنة وكارثية على حاضر ومستقبل الثقافة والفن والأدب ، وتعكس مشاهد تراجيدية مشوشة وظلامية ، وهي تكريس لثقافة اللاوعي وتخلفه وتراجعه المريع ...نتيجة لتراكمات كمية ولفترات زمنية طويلة ، أفرزت واقع مريرا يؤشر الى الزمن الردئ ، وأنحسار لأجواء الحرية والتقدم والديمقراطية وعبر عقود عديدة مما أدى الى أفرازات وتراكمات مأساوية ...بدئا من مصادرة الحريات وفقدان وغياب مبدأ المواطنة ، والتي تشكل العلامة الفارقة في التعايش بين مكونات المجتمع من عدمه ، وتدهور صروح الثقافة والمعرفة وبشكل تدريجي وأنهيار الوضع الأقتصادي وغياب الخدمات وتراجع التعليم ، هذه كلها مقدمات ومسببات لأنهيار الدولة والمجتمع ، مما أضطر الألاف من المثقفين والأدباء والفنانين وأصحابي الكفائات العلمية والفنية والأدبية والمهنية للهروب من جحيم هذا الواقع المدمر للشخصية العراقية ، وأفراغ العراق من أدوات البناء السليم والواعي للدولة والمجتمع... وسبل تطوره ومواكبنه للحضارة الأنسانية ، والذي أفرز نتائج مريعة في تدني الوعي الأجتماعي وتخلفه عن ركب الحضارة أسوة بباقي الملل والشعوب . وللأسف الشديد فمازلنا نعيش أزمات هائلة ومعوقة للدولة والمجتمع !؟ بالرغم من انهيار النظام الدكتاتوري الرجعي والمعادي لتطلعات وأماني شعبنا وكادحيه ، وبالرغم من مرور أثنتا عشرة سنتا على سقوط فاشية ودموية هذا النظام ، فلن يتمكن شعبنا وقواه الديمقراطية والتقدمية من أعادة التوازن لحركة الدولة والمجتمع وبما يأهله لأرساء دعائم الدولة المدنية والديمقراطية ، والقائمين على أدارة هذه المؤسسات ( للدولة والمجتمع) يتخبطون في نهجهم وفلسفة تفكيرهم وفي متاهات مهلكة ومدمرة لهذه المؤسسات ...وينخر في جسد العراق نتيجتا للنهج الطائفي والأثني والمناطقي، والحزبية والعشائرية ، أضافة الى الفساد المالي والأداري والسياسي ، وهذه هي العلامات المميزة للنظام السياسي الحالي ، وهو أبعد ما يكون من نهج الديمقراطية والعدل والمساوات والمواطنة والتعددية ، والأرهاب يستنزف قدرات البلاد والعباد المادية والبشرية ويقض مضاجع العراقيين في الأمن والخدمات والعمل والتعليم والصحة وغيرها ، والتدخلات الأقليمية والعربية والدولية وحدودنا المشرعة لكل من هب ودب ، وهذه مجتمعتا تشكل الخطر المحدق بحاضر ومستقبل العراق والعراقيين . قد لا يدرك البعض لتأثير هذا الواقع ورحيل المبدعين وهم في بلدان الشتات الأجباري ؟!...وعدم تهيئة الظروف المناسبة وتأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة لعودتهم الى ربوع هذا الوطن ، للمساهمة في أعادة دورة الحياة ولتزهر شتى المعارف والفنون من جديد ولتنموا في أجواء صحية سليمة ورحبة ، قد يعتقد البعض بأن تأثير هؤلاء على حركة المجتمع هوشئ نسبي وضئيل ؟...ولكن السؤال هنا يطرح نفسه ؟...كم مرة في المائة عام ينتج المجتمع مبدعون أمثال الجواهري ؟...وكم مرة ينتج العراق أمثال علي الوردي ..أو أمثال يوسف العاني ..وخليل شوقي أو سليم البصري أو النواب ، أنا أعتقد كل مائة أو مائتان عام ؟..يظهر لنا على الساحة عباقرة مميزون يتركون بصماتهم في حياة الشعوب ، فمن الواجب حماية هؤلاء ودعمهم وتمكينهم للأبداع والعطاء والأستمرار ، ليعيشوا أطول فترة ممكنة فيزدادوا تألقا وأبداعا وفائدة . ولن نتركهم في وسط تقلبات الحياة وقساوتها ونوائبها !...كمن نتركه وسط غابة لتفترسه وحوشها وكواسرها ، وبعد ذلك نقيم لهم مجالس التأبين والعزاء ..ونبحث في بطون المعاجم اللغوية ونجزل عليهم من المواضيع الأنشائية أجمل وأرصن الخطابات المؤثرة والحزينة ؟!...ونخرج بأجمل القصائد للرثاء والنحيب . هؤلاء لا يريدون منكم هذه البهرجات الأعلامية الفارغة ، بل يريدون أن تدفعوا بأنتاجاتهم المعرفية ولأستمرارية أنبعاث الحياة في هذه المنتجات الأبداعية ، وبعثها من جديد لكي يستقي وينهل من معينها الأجيال حاضرا ومستقبلا ، ولتكن وسائل ترفع من مكانة ورفعة وسمو المجتمع وبشتى المعارف . رحم الله المبدع الغائب الحاضر أبدا ...في نفوس وعقول كل الخيرين والمهتمين بالثقافة والمعرفة والجماهير التواقة الى الفن الرصين ...ولا نتمنى أن نفجع بمبدع أخر يموت في بلدان الأغتراب بعد الأن ؟!...مثل ما مات الجواهري وهادي العلوي وبلند الحيدري والبياتي ومصطفى جمال الدين وراسم الجميلي واليوم خليل شوقي ومئات غيرهم لم تتسع الصفحات اليهم ، فقد رحلوا عنا ووروا الثرى في بلدان الشتات والأغتراب ، فلهم الذكر الطيب والرحمة ، وللذين مازالوا على قيد الحياة طول البقاء وقليل من المعاناة ، والتمني للعراق الرخاء والأمان والسلام والتعايش بين مكوناته وتوجهاتهم وثقافاتهم وفلسفاتهم، وليشكلوا باقة ورد بألوانها المختلفة ...وهكذا كان العراق !...وسيبقى على مدى الأيام والسنين .