المنبرالحر

الرأسمالية العالمية ونتائجها الملموسة / علي عبد الواحد محمد

الرأسمالية العالمية ، وعلى الرغم من إستنادها على قيم ومفاهيم الديمقراطية وقوانينها ، الا أنها وتحت ضغوط الأزمات العامة الملازمة لإسلوب الإنتاج الرأسمالي ، تتخلى طوعا عن هذه القيم، ويترك المجال للعناصر الأكثر رجعية للرأس المال المالي لتولي الحكم .فقد استخلص جورجي ديمتروف ، في دراسته للفاشية كظاهرة سياسية ، حدثت ، في ذلك الظرف الدقيق من تطور الرأسمالية عشية الحرب العالمية الثانية ، بأن الفاشية هي سلطة اكثر العناصر رجعية ودموية ، للرأس المال المالي التي تصعد الى السلطة كنتيجة للأزمات الحادة التي تعانيها أنظمة الحكم الرأسمالية ،فتتبوأ مكانها في البناء الفوقي للتشكيلة الإجتماعية الإقتصادية الرأسمالية ، لتسود افكارها وتشكيلاتها شبه العسكرية، في هيمنة تكاد ان تكون تامة ، مسنودة ، بقدرة هذا البناء على توظيف القيم والأفكارالفاشية خدمة لديمومة التشكيلة. مستخدمة ديماغوجية اعلامية تعزف فيها على اوتار المشاعر القومية والتفاخر والتعالي والتعصب القومي ، الذي يصل الى حد إحتقار القوميات الأخرى والتقليل من اهميتها والدعوة اما الى صهرها في القومية الأكبر او إبادتها. والفاشية تتوجه في دعايتها الى جمهرة الشباب من فتيات وفتيان تدعوهم فيها من خلال تشكيلاتها العسكرية الى الحفاظ على نقاوة العرق ، وإن عسكرة المجتمع تعتبر الوسيلة الأكثر نجاحا لنشر هذه الأفكار ، وأفكار التوسع لإبتلاع القوميات الأخرى ، او لتحرير قوميتهم في البلدان غير الخاضعة للحزب الفاشي . ومارست الفاشية ابشع انواع القمع وألإرهاب ضد معارضيها، وصل الى التصفيات الجسدية ، وإستغلال سلطة الدولة ومؤسساتها ، لتدمير هؤلاء المعارضين ولتشويه سمعتهم الإجتماعية والسياسية ، وافكارهم البعيدة عن الفكر الفاشي ،الذي يروج له من قبل الماكنة الدعائية للدولة ، واخذت المؤسسات والتنظيمات التابعة للأحزاب الفاشية صفة مؤسسات الدولة ، وتراجعت سلطة الشرطة التقليدية للدولة ،امام سطوة وسلطة ادواة قمع المؤسسات الفاشية ،فقد شهدت المانيا منذ وصول هتلر الى الحكم الإتساع في حجم الشبيبة الفاشية ، ومظاهرها العسكرية ، وإستعراضاتها المتواصلة وخاصة تلك الإستعراضات الليلية حيث المشاعل والطبول والخطوات العسكرية والأناشيد المبجلة للقائد هتلر ، واصبحت شارة الحزب النازي الصليب المعقوف هي العلامة المميزة للجيش الهتلري ، وتغيرت التحية العسكرية ، التي يمارسها كل الجند في العالم كدليل على النظام والأنتظام ، الى تحية خاصة تمجد هتلر ( هايل هتلر )، ولعبت منظمة الجستابو وهي التنظيم الجديد للشرطة العسكرية ، دورا كبيرا في تصفية الضباط المشكوك في ولاءاتهم ، وتمتعت هذه المنظمة بإستقلالها عن الأوامر العسكرية ، وهي خاضعة تماما لسلطة هملر قائدها . وتعززت سلطة المنظمات الحزبية التابعة للحزب النازي ، ومنظمات الشبيبة والطلبة والمرأة عندهم. وفي العراق ابان سلطة البعث البائدة وخاصة عندما تولى المقبور صدام حسين السلطة خلفا لسلفة البكرعام 1979م ، سار صدام على خطى هتلر وتقليده في كل المظاهر السالفة ، وتكتسب الآن اهمية خاصة دراسة طبيعة السلطة العراقية أنذاك والتي قيل عنها إنها ليست السلطة الفاشية ولكنها تحمل سمات الفاشية وتستخدم اساليبها وذلك للأسباب التالية :
1) إن العراق ليس بلدا رأسماليا ، وإنما كان وما يزال بلدا تابعا للنظام الرأسمالي العالمي ، حيث يحتل موقعا متخلفا فيه فهو مصدر للمواد الأولية الخام ومستوردا للمواد المصنعة ، وتسود فيه سمة الإقتصاد الريعي .
2) وبالتالي فإن الطبقة الحاكمة أنذاك لا تمثل سلطة رأس المال المالي.
3) ولذلك فإن حزب البعث ، على الرغم من دمويته وإشاعته للتنكيل بمعارضيه ، وتفاخره بالقومية العربية ، وإستصغاره للقومية الكبيرة الأخرى في العراق وهي القومية الكردية ، وإستصغاره للقوميات الأخرى ، وسعيه لصهرهم في بودقة القومية العربية ، وكون هذا الحزب ،ومن خلال مؤلفات قادته وبالآخص عفلق ، اعتبران الإسلام هو المعبر عن الهوية العربية ، فلم يهتم بالأديان الأخرى وقلل من شأنها .فهو ليس حزبا فاشيا ،وانما حزب قومجي دكتاتوري .
4) عمل النظام على عسكرة المجتمع ، وخلق المؤسسات ذات الطابع العسكري ، مثل منظمات الطلائع والجيش الشعبي ، ومنظمات الطلبة والشباب اللتين مارستا دورا بوليسيا في القمع وكذلك اتحاد نساء العراق ، التي تضاعفت ادوارهم اثناء الحروب التي شنها صدام خارجيا وداخليا.
5) وشن حربا لا هواده فيها ضد الشعب العراقي واحزابه المعارضة لنهجه وخاصة ضد الحزب الشيوعي العراقي الذي وضعه البعث كهدف اساسي للتهميش وتصفية مناضليه، فمارست اجهزة الدولة واجهزة البعث القمعية ، ابشع انواع الإرهاب واللامبالاة بحياة المناضلين الذين قدموا هذه الحياة قربانا لحرية شعبهم ، وعانى حزب الدعوة والقوى المعارضة الأخرى من همجية البعث .
6) وشن حربا شوفينية ضد الشعب الكردي واحزابه الوطنية وحركته القومية ، استخدم فيها اسلحة الإبادة الجماعية ، وتجنيد العملآء والمرتزقة ، لإبادة هذا الشعب ولصهر القومية الكردية في القومية العربيه ، ولم تسلم القوميات الأخرى القاطنة في هذه المنطقة من الإبادة والترويع .
7) في حربه ضد ايران وإحتلاله للكويت ،اعتمد على قوات مميزة تتمتع بامتيازات لا تملكها القوات الإعتيادية وهذه هي قوات الحرس الجمهوري ، واوكل الى الإنضباط العسكري مهمة حماية ومراقبة مؤخرة الجبهة والقيام بمهام إعدام المتراجعين والرافضين للحرب . وعمل على خلق جيش للمتطوعين النخبة باسم جيش القدس ، كبديل جديد عن الجيش الشعبي الذي هبطت مكانته خلال الحرب مع ايران .
الخلاصة إن النظام كان نظاما دكتاتوريا استخدم الأساليب الفاشية ولكنه ليس نظاما فاشيا.
امريكا والرأسمالية في الوقت الحالي :
جرت تغيرات جدية على السياسة الأمريكية في زمن الأدارة الديمقراطية الحالية المتمثلة بإدارة الرئيس اوباما ، خاصة عندما تزامن مع ادارته حدوث الأزمة المالية التي عصفت بوول ستريت اواخر عهد جورج دبليو بوش ، والتي تحولت الى أزمة إقتصادية كما وصفها البروفسور ادموند غريب في ندوة الحوار العربي في واشنطن ، بأنها الأسوأ منذ ازمة الكساد الكبير عام 1929م، وبالتالي وجدت هذه الأزمة إنعكاساتها على السياسة الخارجية للولايات المتحدة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط ،حيث تحتم على امريكا تقليص تدخلها المباشر في المنطقة ، والأعتماد على البدلاء المحليين في إخماد البؤر المتوترة او في تأديب الخارجين عن عصى الطاعة ، وفي تخفيف حدة التوتر المختلفة هنا وهناك ، ويدخل في هذا السياق ، إنسحاب القوات العسكرية الأمريكية من العراق وتقليص وجودها في افغانستان ، وعدم التدخل المباشر في الصراع مع سوريا ، وتشجيع التوصل الى حل للقضية الفلسطينية على اساس قيام الدولتين ، والإتفاق مع ايران لحل الخلاف على البرنامج النووي الإيراني بالإستفادة من صعود المعتدل روحاني بديلا للمتشدد احمدي نجاتي في رئاسة ايران ، واعطاء تركيا دورا في حلول مشاكل المنطقة ، وكذلك السعودية . وكان الإتجاه الثاني هو تعزيز الآوضاع الديمقراطية في البلدان الرأسمالية ، وتوسيع إجراءات الديمقراطية، منعا لوصول افكار الفاشية في اللدان الرأسمالية المتطورة ، وترحيل الأزمات الى بلداننا وخلق بؤر التوتر والنزاعات فيها ، لتكون سوقا مربحة لإحتكارات السلاح ، ومصدرة للنفط الخام بالأسعار الزهيدة ، في نفس الوقت اعطاء الضوء الأخضر للمنظمات الإرهابية ، لخلق النزعات ، ولتفريخ منظمات اكثر دموية كداعش التي اثبتت التجربة انها تمارس نفس الممارسات الفاشية في المناطق الخاضعة لسيطرتها مما تقدم يمكن صياغة الإستنتاجين التاليين :
1) في ظروف الأزمة التي تعصف في البلدان الرأسمالية المتطورة ، ولمستوى التطور الذي بلغته هذه البلدان ولشيوع افكار ومفاهيم الديمقراطية ، يصبح من الصعوبة قيام أنظمة فاشية في هذه البلدان (اعني بها البلدان الرأسمالية المتطورة ).
2) في البلدان النامية ، تصبح امكانية سيطرة مجموعات ارهابية ، تستخدم الأساليب الفاشية قائمة ، وتلعب البلدان الرأسمالية دورا في هذه الأمكانية لتحويلها الى وسيلة لتصريف ازمتها .
ربما من يقول ان الإستنتاجين تفوح منهما رائحة نظرية المؤامرة ، اقول إنها ليست ذلك ولكن ما زالت النعوت التي اطلقها لينين على الإمبريالية مازالت تحافظ على صحتها من ناحية عفونتها ، فكيف يمكن تفسير ان تنظيم القاعدة هو صناعة امريكية ، استنفذ مهامه في اسقاط نظام افغانستان الأسبق ، اقتضى الأمر تدميره كما تدمر الآلات القديمة .وإن داعش وغيرها اصبحت مصدر إزعاج لايمكن السماح له بالتمادي اكثر لأنه لايتناسب مع تطلعات المجتمع الدولي وخارج منطق التاريخ البشري .