المنبرالحر

متى يرى النور قانون الأحزاب في العراق؟ / مصطفى محمد غريب

عادت قضية قانون الأحزاب تطرق الأبواب من جديد بعد فترة من الصمت تراوحت بين التعطيل والمماطلات والتمنيات والممانعات والمناقشات وبين لغط حول صلاحيته أو أن لا فائدة منه في حلته الراهنة ووقته المحسوب، وبين أن يكون القانون خادما أمينا للقوى السياسية المتنفذة صاحبة القرار، أو قانونا عصريا يتعامل مع الجميع على أساس خدمة تطور العملية السياسية ومن اجل المصلحة العامة وليس كما فعلوا بقانون الانتخابات التشريعية الذي جعلوه معاقاً وتغمط العديد من مواده حقوق قوى سياسية وطنية وديمقراطية، ومن هذه التجربة، تجربة قانون الانتخابات المُرة المعمول به الذي بات معضلة تحتاج إلى بذل جهود مضنية لإصلاحه وتخليصه من مثالبه التي أضرت بمصالح مئات الآلاف من الناخبين العراقيين وكذلك أضرت العديد من الأحزاب والتكتلات الوطنية والديمقراطية وإذا ما بقى على هذا المنوال والحال نفسه فسوف تعاد تجربة الاستيلاء على الأصوات بدون أي وجهة حق، ولهذا نعتقد أن مشروع قانون الأحزاب بعدما اخذ كفايته في المناقشات وتقديم المقترحات من قبل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وكذلك من قبل الدورتين البرلمانيتين السابقتين والتي جرى فيها العديد من المقترحات والتوصيات إضافة إلى استنتاجات عديدة تم الأخذ بها من قبل اللجنة القانونية البرلمانية نقول وبعد كل ذلك فليس من حق أحد أن يسعى إلى تأجيله أو إعاقة تشريعه وصدوره، ونرى والكثير من القوى السياسية أن العودة للمربع الأول وكأن المشروع قدم لأول مرة يعتبر خللاً في أداء الدورة البرلمانية الحالية وتعطيلاً آخراً لمنع انبثاق هذا القانون المهم في الحياة الحزبية والسياسية، وهنا لا نريد أن تتكرر المأساة بإخراج قانون لا يلبي مطامح العديد من القوى السياسية ومئات الالاف من المواطنين، وعلى كل حال ففي الأفق دلائل تشير على المنوال نفسه مثلما حدث ويحدث للبعض من القوانين حيث بدأ وضع العراقيل من قبل القوى المتنفذة هادفة عدم تمريره تحت علل مصطنعة ومُصنعة تهدف إلى إبعاد الرقابة الشعبية والخوف أكثر من المطالبة بالشفافية لمعرفة توجهات الحزب ونظامه الداخلي واهم قضية هي المراقبة الحكومية ومصادر التمويل المادي إضافة إلى العديد من الحجج التي تقف حائلاً دون تمرير قانون الأحزاب.
لقد عرضت مسودة مشروع القانون منذ فترة وكما ذكرنا قد سجلت عليه العديد من الملاحظات والمقترحات والتعديلات كي يخرج القانون إلى النور بحلته الايجابية بهدف إقراره ليصبح ساري المفعول، وكان المشروع يحمل نقاط ضعيفة عديدة منها مثلاً يجب أن لا يرتبط بالحكومة والسلطة التنفيذية لكن اللجنة القانونية النيابية بعدما أعلنت بان القانون أصبح " جاهزاً " بدورها قدمت مقترحاً بأن تقوم وزارة الداخلية بالإشراف على تطبيقه حيث أشارت بهذا الصدد النائبة ابتسام الهلالي عضو اللجنة القانونية "هناك مقترحا بأن تكون وزارة الداخلية هي من تشرف على تطبيق قانون وعمل الأحزاب السياسية في البلد، وربما سيتم قبوله". وقد برزت أراء ونقاط خلاف بين الكتل السياسية وبخاصة البارزة والمتنفذة حول تشكيل هيئة مستقلة للأحزاب وأكدت ابتسام الهلالي أن "تشكيل هكذا هيئة أمر مرفوض لأن كثرة الهيئات ظاهرة غير صحية".
إن قانون الأحزاب الموجود في أروقة البرلمان ومجلس الوزراء أو موقع لا نعرف مكانه!! يبقى كمحصلة للإهمال الذي طال الكثير من القوانين المهمة التي هي من الأعمدة المهمة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية والعملية السياسية التي تحتاج إلى جهود غير قليلة لنجاحها وتطورها لصالح هذه الدولة، وإلا لا يمكن أن نفهم وجود عشرات الأحزاب والتنظيمات السياسية والدينية بدون ضوابط قانون يُشرع ويرسم آفاق العمل الحزبي ويحدد ماهية الأحزاب وتشكيلها على أسس وطنية واضحة، ومن العبث الانتظار فترة أو فترات أخرى لكي نشهد القانون الذي أصبح عاملاً مهماً في الحياة الحزبية الداخلية على مستوى الحزب الواحد أو على عمل الأحزاب في إطار الدولة ووفق اطر ترتبط وطنياً بإرادة الشعب العراقي، ومهما كانت الظروف فان ترسيخ الأطر القانونية من خلال النظرة الموضوعية للحاجة الماسة لتنظيم الحياة السياسية والتخلص من الانفلات وعدم الالتزام بالقوانين المرعية، وعليه يجب الإسراع في الانتهاء من المماطلة وخلق الخلافات لمصالح ضيقة بحجة المصلحة العامة، يجب الخروج إلى مجال أوسع لكي تقوم الأحزاب السياسية بعملها السياسي الذي يجعل من المواطنة أساس العمل والانتماء وان يجري تحريم تشكيل الأحزاب على أساس تعصب قومي أو ديني أو طائفي لأنه لا يتناسب مع المفهوم الإنساني ولا مع لائحة حقوق الإنسان وبالضد من أكثرية الشعب العراقي المتكون من فسيفساء تجمع قوميات واديان وطوائف عديدة وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة من الدستور العراقي.
إن نقاط الخلاف على قانون الأحزاب التي تبدو محورية والتي ذكرناها تركزت على عدة قضايا واهم قضية تجابهه استقلالية الأحزاب ومستقبلها وعدم خضوعها إلى أية جهة حكومية قد تفقدها استقلاليتها وقراراتها وتحدد لها المساحة المهمة في تحركها وتوجهها الديمقراطي، بدون أي تدخلات لفرض القيود عليها تحت مسميات عديدة مما يجعلها تابعة لا تؤدي دورها المطلوب، وقانون الأحزاب يعتبر مهماً في ظروف العراق الحالية إضافة إلى مستقبله المنظور، وأما بصدد الآراء التي ترفض ارتباط الأحزاب بوزارة العدل لان ذلك يعني وضع الأحزاب تحت طائلة الرقابة الحكومية أو البعض من مؤسساتها المباشرة وغير المباشرة لكي تفقد الشفافية المطلوبة في عملها وتوجهاتها فقد وضح ذلك مثال الالوسي النائب عن التحالف المدني لجريدة طريق الشعب إن " كتلة التحالف المدني الديمقراطي في مجلس النواب لديها تحفظات كثيرة حول قانون الأحزاب بصيغته الأولى" موضحا أكثر " أن قانون الأحزاب يجب ألا يخضع تشكيل الأحزاب والموافقة عليها بعهدة موظف صغير في الدولة بدرجة مدير عام، حيث أن هذا لا يمكن أبداً ".. إن عدم الاهتمام بقانون الأحزاب دليل على النية في بقائه محصوراً في اطر المناقشات والاقتراحات ثم التأجيل مثلما حدث له في الدورتين النقابيتين السابقتين وهذا أمر مرفوض تماماً لان وجوده ضروري للعملية الديمقراطية والحياة السياسية والحزبية ولهذا فنحن نحث على إنجازه بالسرعة الممكنة فالوقت والأوضاع في البلاد لم تعد تسمح بالمماطلة والتسويف، فقانون الأحزاب مهم للغاية لأنه سينظم الحياة السياسية ويحقق الشرعية الحزبية بشكل يحددها القانون نفسه وتحت طائلة الرقابة الجماهيرية وبالأخص مصادر التمويل الهائلة التي تستعمل بطرق غير قانونية مختلفة.