المنبرالحر

آمال الشعب تصطدم بجدار الخيبات / سهير الوندي

في كل دورة إنتخابية تتجدد آمال الشعب العراقي في الخروج من النفق المظلم إلى نقطة الضوء لإنبلاج فجر جديد يبشر بالتغيير والإصلاح ، ومع تشكيلة أية حكومة جديدة ينسج الشعب أحلامه من خيوط غدٍ مشرق يضمن له الخير والأمان والسعادة والعيش الكريم ، وما ان تتسلم الحكومة مهامها حتى نراها تركن الشعب على رفوف النسيان وتشل حركته كي لا يلحق بقافلة الإهتمامات للمطالبة بالحقوق والخدمات ، وإن أشتكى فإن صدى شكواه يصطدم بجدار التجاهل ليرتدّ إليه صافعاً أياه صفعة خيبة أليمة ، ثم تأتي القرارات الكارثية لتحل كاللعنة على رؤوس البسطاء والمساكين والفقراء ليهرسهم فكي المعاناة والمأساة ، فهناك سبعة ملايين مواطن عراقي يعيشون تحت خط الفقر لا مأوى لهم ، ولا عمل ، ولا دخل ، نصبوا خيماً مرقعة في العراء أو بنوا بيوتاً من الصفيح لتتراص صفائح الزيت الفارغة واحدة فوق الأخرى مكونة غرفة لا تقيهم من برد الشتاء القارس ولا من حر الصيف اللاهب ، فإلى أين سيمتد وجع الفقر بهؤلاء ؟.. فلقد بلغوا المنعطف الأخير حيث لا شيء سوى العدم والسقوط في الهاوية .
هناك صور كثيرة ، ومشاهد عينية مأساوية أكثر تمر أمام أعيننا يومياً تترك في قلوبنا وجعاً وفي نفوسنا غُصَّة ، حينما نشاهد بنات صغار في الشوارع يتدافعن بين السيارات المارة يتسوَّلن ويتعرَّضن للتحرش والإغتصاب ويكبتن عارهن في أعماق أنفسهن أنيناً مكتوماً ، وشباب عاطلين عن العمل أتخذوا من إشارات المرور مقرات لهم لبيع علب مناديل ورقية أو علب علك أو يترَجَّوك لتنظيف زجاجة سيارتك من أجل ألف دينار أو ألفين ، وشيوخ داس الزمان عليهم فجعلهم مشردين يفترشون قطعة كارتونية ينامون عليها ليلهم أمام المحلات وعلى الأرصفة تزاحمهم في النوم الكلاب والقطط السائبة ، ونساء بلا مأوى إحتضن أطفالِهن وأقمن تحت الجسور ، وحملة شهادات جامعية بسطوا على الأرصفة بضاعتهم الرخيصة منادين : حاجة بألف او حاجة بربع وفي أحسن أحوالهم أصبحوا بائعين للبالات (اللنگات ) ، والمشهد الأقسى والتي تمنيت العمى على ان لا اشاهده هو ذلك الذي ظهر على شاشة إحدى الفضائيات العراقية قبل أيام لرجل فقير باع أبنه لتاجر عراقي بمليوني دينار ليصرف على باقي عائلته وأقسم الرجل وهو يبكي على أبنه المبيوع حيث نزفت عيناه دماً لا دموعا بأن أطفاله طلبوا منه ذات ليلة تعيسة عشاءً لأنهم جائعون فوضع لهم الحجر في القدر وظل يقلب بالحجر ليلهيهم حتى غلبهم النعاس فناموا جياعاً ، وأمام أنظار المشاهدين وأنظار المذيع الذي ألتقى به عرض باقي أولاده للبيع قائلاً : ( أشتروهم بسعر السوگ .. جوه السوگ ) و..و ..و..إلخ من الحالات التي تدمي القلب وتدمع لها العين ، وهنا أستذكر قول الإمام علي ( عليه السلام ) : لو كان الفقر رجلا لقتلته بسيفي .
لو كان الفقر حقاً رجلاً لأستَلَّ كل فقير سيفه ونحر فقره من الوريد إلى الوريد لينعم بعيشة رغيدة ، ولكن الفقر حالة تصيب كل من قسى عليه زمانه وباغتته أقداره بالمحن والنوائب ، فأصبح أسير زمانه ، مكبلاً بقيود أقداره ، مثقلاً بهموم معيشته ، تائهاً يبحث عن ما يسد رمقه ورمق عائلته، فيا من تقع على عاتقكم مسؤولية هؤلاء الفقراء والمساكين والمشردين أفتحوا أبوابكم لمن إنتخبوكم ووضعوكم على كراسيَ إلتصقتم بها كإلتصاق الروح بالجسد إن فارقته مات الجسد ، وهكذا أنتم إن فارقتم كراسيكم فارقتم الحياة ، ولهذا إمتدت أذرعكم كالأخطبوط لتلتف حول كل من يشكل تهديداً على كراسيكم التي لو دامت لغيركم ما وصلت إليكم ، جاؤكم الفقراء مشياً على أوجاعهم ، بصخب أحزانهم ، وضجيج تكسراتهم ، فاشرعوا أبواب مكاتبكم المغلقة على ذواتكم ، واسمعوا أنين نداءاتهم ، لقد اعتلج الهم بصدورهم ولم يجدوا لأنفسهم متنفسا إلا باللجوء الى القنوات الفضائية للبوح عن تباريح حياتهم التي أثقلت ذاكرتهم الحبلى بالخيبات حتى غدت فجائعهم مباءات رحيبة لهم . نفذوا وعودكم الكاذبة التي أطلقتموها لهذه الشريحة المعدمة لتكسبوا أصواتهم التي كتمتموها بعد أن رفعتكم من السفح إلى القمة ، وأود أن أقول بأن العراق ليس ببلد فقير حتى يعيش في عرائه الملايين من الفقراء تحت خط الفقر لا مال لديهم ، ولا زاد ، ولا مأوى ، فكفاكم حصاداً للأموال والأرواح ، لقد ملأتم المصارف العالمية من أموال العراق ، ولعبتم بمقدرات شعبه ، ودستم على رأسه بقضِّكم وقضيضكم ، وتذكروا جيداً بأن الأكفان لا جيوب لها ، وغداً في ضيق القبور تُحشَرُ اجسادكم ملتحفة بكفن يستر عريكم حيث لا مال ينفعكم، ولا جاه ، ولا سلطة ، ولا نفوذ ، ولا تأخذوا معكم سوى أعمالكم التي تحاسبون عليها ، لذا أكسبوا آخرتكم بصالح أعمالكم في الدنيا ، وانتشلوا هؤلاء الفقراء من براثن الفقر لعلكم تدخلون الجنة بدعواتهم لكم ، وفروا مساكن لمن لا مأوى لهم ، خصصوا رواتباً شهرية للعوائل المتعففة التي لا دخل لها ، وهيئوا فرص عمل مناسبة للشباب العاطلين عن العمل ، أدخلوا الشيوخ المشردين دور المسنين ، إهتموا بالأطفال الصغار الذين يبحثون في النفايات عن لعبة مكسورة رموها الأغنياء لعدم حاجتهم للعبة كُسِرَتْ بيد أطفالهم المدللين ، إهتموا بالنساء الضعيفات اللاتي أوصاكم الرسول الكريم (ص) بهن في حديثه الشريف : ( اوصيكم بالضعيفين المرأة واليتيم ) إهتموا بكل هؤلاء يا أيتها الحكومة المسلمة ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فأتقوا الله في رعيتكم يا أيها الرعاة المسؤولين.