المنبرالحر

صدى الستين في ذاكرة 14تموز المجيدة / عدنان منشد

على الرغم من كل ما قيل وما كتب عن ثورة 14 تموز الخالدة، بمحاسنها ومساوئها المتعددة، سواء من الاكاديميين ام ممن عاصروها ام شاركوا بها من الضباط الاحرار عن طريق ابحاثهم او مذكراتهم. فهي على العموم ثورة خصبة تلهب الخيال والذاكرة معا ، ثم تنعشهما بما ينشر عن احداثها ومنجزاتها وويلاتها وفتنها. ولانني مع غيري الكثير من الاصدقاء والمعارف قد عشنا خمسة اعوام من ارهاصاتها وتجلياتها الكبرى ، فحري بنا ، ان ندعي باننا من ابناء هذه الثورة ومن جيلها المخلص الغيور . فما زال صدى السنين في ذاكرة طفولتنا ويفاعتنا وشبابنا وكهولتنا المخضرمة، يؤكد ان ذاكرتنا تنهل وتعتاش من ثورة عظيمة بامتياز معلن وما زلت شخصيا، اعتقد ان الدكتور الصديق عقيل مهدي الناصري- الاكبر منا سنا هو مؤرخ هذه الثورة ومنظرها وناقدها بحصافة اكاديمية نادرة، حتى غلب عليه الطابع على التطبع ، فاصبح (قاسميا) نسبة الى الزعيم ، اكثر مما هو ماركسيا او يساريا معروفا من خمسة عقود خلت .
ان الامتياز الاكبر لهذه الثورة يتلخص بعدد من الانجازات الكبرى، اهمها القضاء على الحكم الملكي العميل وتعطيل واقالة رموزه الفاسدة، فضلا عن تخليص البلاد والعباد من ربقة الجنيه الاسترليني، وتحرير الوطن من حلف بغداد، ووضع العراق ككل ضمن اصلاحات وطنية متعددة، كقوانين تأميم النفط والاصلاح الزراعي والاسكان والرعاية الاجتماعية للمرأة والمسنين والاحداث.
كتاب ومفكرون كثيرون كتبوا عن هذه الثورة بالاساليب الرومانسية والثورية والمعرفية والاكاديمية، ولكنهم للاسف لم ينصفوها بالشكل اللائق والصريح. والذكرى وان كانت في جوهرها لا تنبئ عن كل شيء، تبقى اصدق من السماع بالضرورة، وقد لعب اختلاف المصادر وقلتها على مر السنين، مقارنة بعصرنا الحالي وتعدد الاهواء وبعض الاراء والكتابات التي لا تخلو من ميل مؤلفيها باختلاف انتماءاتهم، لعب هذا الاختلاف دورا في تشويه بعض الحقائق.
ان من عايش هذه الثورة، التي قد تذكرنا بالثورات العالمية في فرنسا وروسيا ومصر، سيرى اعجابا كبيرا بالجيش العراقي وطبيعة النسيج العراقي الخلابة في شعوبه واقلياته وتاريخه او في تقديره لهذه الثورة واحترام توجهاتها او اهدافها الوطنية المعلنة واعتزازا بزعيمها الكريم، مقارنة بغيره من الزعماء والحكام في سيرته الشخصية ومسرحياته اليومية، ما اثار عليه الاوساط المغالية والمحافظة بامريكا واوربا والعالم، كما اثار عليه اوساطا اسلامية عديدة، فاتهم بالمروق والكفر في العديد من دول العالم الاسلامي.
اما الان وقد مر على رحيل الزعيم عبد الكريم قاسم ما يقرب من خمسة عقود، فاننا نأمل ان يكون الطرفان قد ازدادا ادراكا لاهمية تسامح الحضارات وتحاورها، بديلا عن تصارعها وتصادمها.
من جهة اخرى عشق الزعيم وطنه، فرأى انه ارض المعجرات والرسالة السماوية ولم ينظر الى العراق من خلال (الف ليلة وليلة) وانما من خلال تاريخه العريق وحضارته المتعاقبة، وكثيرا ما ربط الزعيم رموز الحضارة العربية بمنابعها الاثنية والعرقية. ألم يردد قاسم في ذلك الزمن مع الفنان احمد الخليل "هه ربزي كرد وعرب رمز النضال"؟