المنبرالحر

قيادات مترهلة / قاسم السنجري

لابد في كل معركة من تضحيات تدفعها القوات الامنية لتحقق النصر، وتستعيد الأراضي التي استلبها تنظيم داعش الارهابي. وهذا أمر معروف لدى كل الجيوش التي تخوض أي معركة. فالقيادات العسكرية تضع في حسبانها تكاليف المعركة وحجم الخسائر التي من الممكن تقديمها لتحقيق نصر عسكري. وهناك الكثير من المعارك التي لم تُدرس بشكل جيد واعتقد المخططون لها أنها معارك سهلة فكانت النتائج كارثية. إلاّ أن القادة المحترفين لا يزجّون بقواتهم في معارك خاسرة، ولا يقومون بالتضحية بعدد كبير من جنودهم من أجل هدف لا يساوي هذا الكم من التضحيات.
ان العقائد العسكرية تغيّرت، حيث ان الجيوش الحديثة تعتمد تقليل الخسائر البشرية كمنهج لها في خوض الحروب ولا تتهور بالتضحية بعساكرها. إذ أن ارقام الضحايا لها تأثير كبير خاصة في الرأي العام للشعوب، لذا نرى الولايات المتحدة الاميركية بحروبها الكثيرة تحاول اخفاء عدد قتلاها عن الرأي العام الأميركي لما يتركه الكشف عن ذلك من تأثير ويتسبب بارتفاع الاصوات التي تدعو حكومة واشنطن إلى سحب قواتها مما يعرقل اهداف أميركا في هذه الحروب التي تخوضها.
غير أن الجيش العراقي الذي يعيش ازدواجية ما بين العقيدة العسكرية القديمة، والتحديث الذي دخل عليه، فضلا عن الفساد الذي ضرب مفاصله اصبح مؤسسة مترهلة وغير قادرة على التواصل مع قطعاتها العسكرية في مواجهة عدو مرن يتحرك بسرعة لأنه ليس قوة نظامية، بل هو مجرد عصابات جوالة ومقسمة إلى مجموعات صغيرة تستخدم القوة المفرطة في هجماتها مستخدمة الضربات الإنتحارية ضد وحدات عسكرية صغيرة، ومستغلة بُعدها عن خطوط الإمدادات عند الانقضاض عليها.
إلا ان اي قوة عسكرية يمكنها الصمود لساعات طويلة، كونها قوات مدربة بشكل جيد ولديها ما يكفي من اسباب الصمود ليوم أو يومين، شريطة أن يتم دعم هذه القوة العسكرية بما يلزم من العتاد والإسناد الجوي. ولكن ما الذي يدفع قوة عسكرية نظامية إلى ان تستعين بوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لبث نداءات استغاثة كأي بحارة تاهوا في المحيط؟.
إن السبب الأول للجوء بعض الوحدات إلى وسائل الإعلام هو اهمال النداءات الموجهة من قبلها إلى القيادة العسكرية التي من المفترض أن تكون قد تسلمت هذا النداء وأمرت بإجراء اللازم بإسناد ودعم هذه القوة المحاصرة أو تلك. وهذا يدل على وجود خلل كبير في قيادة العمليات المشتركة التي تعاني الترهل، وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه جنود قاتلوا حتى آخر رصاصة أو توشك أن تنفذ ذخيرتهم فيما تهمل قيادتهم نداءات تصدر منهم لطلب الدعم.
إن ما حدث في تقسيم ناظم الثرثار يكشف مدى ترهل القيادات العسكرية ولا مبالاتها تجاه أفراد قواتها، بل وصل الأمر إلى نفي صحة العدد الذي تداولته وسائل الإعلام والبالغ ١٤٠ شهيداً مفترضاً وخفضته إلى ٣٠ شهيداً وكأن الثلاثين لا قيمة لهم في الحسابات العسكرية، ثم كأن اسماعنا اعتادت على رقم قريب لـ ١٧٠٠ أما غيره فلا يعني القيادات العسكرية بشيء.