المنبرالحر

هل أصبحنا قتلة محترفين / د. ناهدة محمد علي

تصفحت صباح اليوم مواضيع الأخبار العربية ووجدتها كالأتي : - مقتل 135 طفلا في هجوم ( لعاصفة الحزم ) على الحوثيين ، إشتداد هجمات الجيش السوري على قوى المعارضة السورية ، سقوط العديد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين لعمليات تحرير قرى الأنبار، والمضحك المبكي هنا أن الجيش العراقي لا يستطيع الإمساك بالأرض لأنه مشغول بالتقدم إلى الأمام ، أما أرواح القتلى التي أُزهقت فهي إلى الله تشتكي.
لم يكن هذا الخط الإخباري مميزاً لهذا اليوم بل كان ظاهرة كل يوم في بلاد العرب من أقصاها إلى أقصاها بل وفي معظم بلاد المسلمين ، فنحن مشغولون دائماً بقتل بعضنا وهي مهمة عسيرة ، فلدينا مشكلة التمويل ومشكلة التحفيز الإعلامي والتجنيد ، ومشكلة إختراق المنظمات السياسية والإجتماعية ، ومشكلة إختراق النطاق الأمني الدولي مع تفادي نقمة الرأي العام العالمي وهذا هو الأمر الأصعب ومع كل هذا فالكل يسعى إلى الشهادة السريعة لأجل لقاء ربه بوجه أبيض ، ولا فرق هنا كم قتل ومن الذي قُتل . ويبقى هنا وضع الأسرى وهو معروف في الشرع الإسلامي ،لكن الكل يقفز فوق هذا الشرع وفيهم شيوخ ومرضى لا حول لهم ولا دخل في كل ما يجري ، وإن إستجار الهاربون في أوطانهم وقفوا طويلاً وإنتظروا طويلاً قرار أصحاب القرار بينما تسارع المنظمات الإنسانية العالمية على بعد آلاف الأميال لنجدتهم . ويعتبر الأطفال هم أكثر الفئات تضرراً حيث تُدك مدارسهم ويُقتلون قتلاً أو ذبحاً لأن فينا من بدل المقولة القديمة والتي سقطت من على جدران المدارس وهي ( العلم نور ) إلى مقولة ( العلم ضلالة ) وعلى ضوء هذا تحتم على الطبيبات وأساتذة الجامعة من النساء أن يلبسن الخِمار لكي لا ترى ولا تُرى ، وهذا الذي لا تفارقه مسبحته ليل نهار هو نفسه من أعطى الضوء الأخضر للدبابات الأمريكية أن تقتل الأبرياء لا على التعيين ، وهم من سمح للرعاع بإختراق الوزارات ونهبها وحرق أرشيفها ووثائقها ولا عجب في هذا فهو مال ليس له صاحب ، وكانت هذه اللعبة هو تكتيك نفسي لإمتصاص الغضب الجماهيري خوف أن يُسقط عليهم ، وصدقوني إن البعض من العراقيين أسفاً يتمنون لو تُرفع الحراسة عن أبواب الوزارات حتى يستطيعوا تكرار نفس ما حدث في السابق لأن شيئاً لم يتغير فالأقدام لا زالت تجوب في الشوارع بحثاً عن الرزق وأحياناً بحثاً عن القمامة .
إن المشكلة هنا هو أن الفرد العراقي إعتقد ولسنين بأنه يُسرق في خبزه وكرامته وعندما وجد فرصة للإنتقام أعطى الفرصة حقها ، إلا أنه أغفل الحقيقة القائلة بأن الخطأ لا يعالج بالخطأ ولا يمكن لكل فرد أن يُنصب نفسه قاضياً وحكماً ، ولا يمكن أن يصبح الجميع سمكاً والكل صياد .
إن من يطلع على الثورات التي حدثت في كل الدول العربية لا بد أن يرى أن خط الدم هو الرابط المشترك لسلسلتها ، كما في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن والسودان ، لكن العجيب في الأمر أن هذه الشعوب وإن تقاتل أفراد شعبها مع بعضهم لكن عمليات السلب والنهب لم تكن ملموسة لديهم ، وهذا يجعلني أتساءل هل لا تزال عقدة ( الفرهود ) متأصلة في الشعب العراقي في كل مرحلة تأريخية مر بها العراق أو هو رد فعل للنهب الهولاكي الذي أغرق بغداد ومكتباتها وقصورها بالدم .
يبقى السؤال المحرج الأخير والذي هو هل ينتقل لدينا جين الشراسة وحب القتل عبر أجيالنا ، ولِمَ لم تستطع الحضارة الإسلامية أن تحدده . لقد تميز أجدادنا الصحراويين بأنهم حينما كانت تضيق بهم الصحراء ويملون الجلوس في الخيام وإحتساء القهوة تشتعل فيهم الحمية القبلية لغزوا القبائل المجاورة بحجة طلب الكلأ والماء وهما للجميع مع إستطاعتهم المحاورة فيما بينهم ويضاف إلى هذا أن البدوي يترفع عن أن يزرع طعامه وطعام ماشيته بل يحبه جاهزاً أمامه وبإنتظاره ، فيقوم بهجماته وفق مبدأ البقاء للأقوى ومنعاً للضجر ، وهكذا تقبل العربي الطريقة المشوهة لإدامة البقاء ، فهو لا يصنع أسباب الحياة بل يلتقطها جاهزة على حساب موت الآخر، وهذه النزعة قد أجادها العربي والدليل على ذلك بأنه باع نفطه خاماً ولم يطوره أو يحوله إلى صناعة أو زراعة حديثة فإقتصاد الجزائر مثلاً يعتمد في 97% من ميزانيته على إيرادات النفط ولا أعتقد بأن العراق هو أفضل من الجزائر ولم يتقن العرب من الفنون أكثر من فنون القتال وللأسف لم يطور حتى هذه الفنون بل أصر على خنجره وسكينه وما تهبه له الدول ذات المصالح من الأسلحة ، ولم يُسجَل للجيوش العربية ذات السلاح المستورد الإغارة إلا على جيرانها والأقربون أولى بالمعروف حتماً ، وهذا دليل على إستمرارية نزعة البداوة ، فالبدوي لا يستطيع أن يذهب بعيداً إلى ( الصين ) مثلاً بل يحاول إقتناص خبز جاره باللين أو بالشدة ، وكمثل بسيط على نظام الإغارة ما فعله صدام على جيرانه الكويتيين وغيره من الملوك والرؤساء العرب . إن الحقيقة المرة هنا أن الفرد العربي العادي هو ذرة من نظام عام متبع فالكسل وقلة الإبداع وحبه للقنص والصيد بالقوة هو ما يميزه ، وقد آن الأوان أن يوقف هذا الجيل الوراثي وأن نطعمه بجينات وراثية جديدة تدخل إلى أدمغتنا لنحاصر أنفسنا قبل محاصرة الآخرين وإستلابهم مادة وروحاً فكراً وتكويناً .