المنبرالحر

لسنا جيرانا بل شعب واحد / طه رشيد

حطت الطائرة القطرية على أرض مطار الكويت حوالي الساعة التاسعة وخمس واربعون دقيقة مساء، وهي قادمة من الدوحة، استكمالا لرحلة انطلقت من بغداد بحدود الساعة الرابعة والنصف عصرا.. الطريق البري بين بغداد والكويت ومع ضياع الوقت بين التفتيش والسيطرات لا يستغرق أكثر مما تستغرقه الرحلة بالطائرة، ولكن ما العمل؟ لا يوجد خط طيران مباشر بين البلدين رغم تبادل الزيارات على اعلى مستوى! كنت متخوفا من اجراءات دخول الكويت رغم التطمينات من قبل العديد من الأصدقاء بأن عموم الشعب الكويتي يضمر للعراقيين مشاعر حب كبيرة،كنت متخوفا رغم تفهمي الاجراءات الدقيقة التي تجريها السلطات المختصة بدخول الأجانب لبلدهم.. كنت متخوفا رغم أن سفري للكويت جاء بناء على دعوة من قبل شركة انتاج سينمائية مرموقة.. وكنت متخوفا رغم تدخل المنتج طلال المهنا لدى السلطات العليا.. كنت متخوفا خاصة وأن حقيبتي كانت مليئة بصور مراجع دينية مختلفة!وإشارات ونجوم لملابس الشرطة العراقية وهي اكسسوارات نحتاجها في المشروع السينمائي. ما أن حطت الطائرة حتى كلمت أحد مسؤولي الانتاج فقال لي بأنه ينتظرنا خارج المطار. ماذا أفعل بك خارج المطار ؟ دلفت إلى الصالة واذا بشاب آسيوي يحمل يافطة كتب عليها اسمي ورحب بي أيما ترحيب.. سالني ان كانت معي حقيبة فاومأت له برأسي. لغته الانكليزية افهمها فاشر لي ان اتبعه وكنت أجري من خلفه.. كان هنا خط طويل من الناس ومن جنسيات مختلفة ينتظر كل منهم دوره لانجاز أمور تأشيرة الدخول .تاففت في داخلي من الانتظار الذي سينتظرني إلا أن الشاب الآسيوي طلب مني الجلوس على كراسي وضعت مقابل شرطة التأشيرات . ودلف هو للداخل ومن خلال الزجاج المفتوح رايته يناول الأوراق لأحدهم.. تنفست الصعداء ورحت أتطلع في شاشة الكترونية تعرض أسماء الدول التي لا تحتاج إلى تأشيرة دخول أو بكلمة أدق التي يسمح لها بدخول الكويت من خلال حصولها على الفيزا مباشرة في المطار.. سلطنة بروني. ماليزيا. كل الدول الأوربية. أمريكا. كندا.. ودول اخرى لم تستطع الذاكرة حصرها.. ولا أتذكر اسم أي دول عربية ذكرت ضمن قائمة الدول المشار إليها. وأعتقد انها ردة فعل طبيعية من قبل السلطات الكويتية لأن معظم الدول العربية وقفت موقفا مخجلا مما جرى أثناء احتلال الكويت من قبل زمرة صدام.. صحيح أن سوريا ومصر ارسلت قوات للمساهمة في تحرير الكويت إلا أن دعم معظم الدول العربية لنظام صدام يندى له الجبين! اوقف الآسيوي تداعي ذكرياتي عن نظام صدام وأيام الاحتلال للكويت، حين طلب مني المثول أمام الشرطي الذي فاجئنا بترحيب لي واعتذر عن دقائق الانتظار مع الاشارة لروعة العلاقة بين الشعبين العراقي والكويتي والوشائج التاربخية والاجتماعية التي تربطهما، ثم تمنى لي طيب الإقامة في الكويت. أوف.. لا أصدق.. يعني خلص أجابني الآسيوي بعربية ملغم بتنوين اسيوي جميل - أي نأم خلاص! وتبعته كالعادة حتى انتهينا خارج المطار ل يسلمني لرجل ضخم الجثة وبذقن تجاوز اليوم الثالث من دون حلاقة، وأخذني بالإحضان : - طه رشيد. يا هلا ومرحبا. نورت الكويت. وأصر أن يدفع حقيبتي بنفسه حتى وصلنا سيارته قائلا: أنا عبدالله فريد مدير انتاج المشروع سننتقل فورا إلى موقع التصوير. أغلبية الحضور في الموقع شبيبة متألقة.. استقبلوني بحفاوة وبكلمات اذابت كل شكوك حول جيرانا.. من اللحظة الأولى عاملوني بطريقة وكأني واحد منهم.. لاحظوا ثمة دهشة في عيوني فقال المنتج لسنا جيرانا يا صديقي بل نحن شعبا واحدا لا تفصل بينه سوى حدود وهمية سعت لترسيخها الدكتاتورية!