المنبرالحر

التجارة تعلن ../ محمد شريف أبو ميسم

منذ عشر سنوات- وتحديدا منذ أن اشتد التلكؤ في توفير مفردات البطاقة التموينية للناس- يتكرر في وسائل الاعلام الخبر التالي ( التجارة تعلن عن وصول بواخر محملة بـ... !! )
هذا الخبر المستهلك ، كان وما يزال خبرا استفزازيا للقارئ ، بوصفه امتدادا لنمط صناعة الخبر في الاعلام الموجه ابان مرحلة حكم الدكتاتور المخلوع ، فهو يلبس حلة الاستهزاء والسخرية من الناس ، اذ أن صانع الخبر يريد أن يقول: ( لا تتذمروا أيها الجياع واصبروا فالطعام في طريقه اليكم .. ) وأول ما يترآى لدى القارئ انه في موضع يكون فيه مع المتزاحمين على الأبواب ينتظر الشمس بالمجان وهي تخرج من جيب السلطان.. والا ما الدافع لتكرار مثل هذا الخبر سنويا عشرات المرات .. ؟ فالموانئ العالمية تستقبل وتودع يوميا مئات الباخرات والسفن المحملة بالأغذية في حركة تجارية دؤوبة ومتواصلة ما بين دول العالم، وما من وكالة أنباء عالمية أو عربية انشغلت أو اهتمت بوصول شحنات من الرز أو السكر أو الزيت الى موانئ البلد الفلاني الا في الظروف الاستثنائية مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية ، وبخلاف ذلك فان الأمر لا يعدو أكثر من تهليل وزوبعة في قدور فارغة من الطعام ، يراد بها تسويق مقاصد بهدف تعمية الواقع الذي يشير الى فشل ذريع في توفير مفردات البطاقة التموينية للناس، ومحاولة اضفاء الصدقية على وعود وزارة التجارة في توفير تلك المفردات .
ومؤخرا تناقلت وسائل الاعلام المحلية خبرا وكأنه جديد جدا مفاده «أعلنت وزارة التجارة، عن وصول بواخر محملة بمفردات البطاقة التموينية إلى ميناء أم قصر» ثم أردف صانع الخبر «مؤكدة قرب وصول كميات من السكر الأوربي». ثم ينقل عن فلان، إن «ميناء أم قصر شهد وصول كميات كبيرة من مادة زيت الطعام والرز».
وهنا نتساءل عن أهمية هذا كله للقارئ؟ ما دامت حصة شهر رمضان لم تصل بعد للمواطن فيما الشهر الكريم يودع العشرة الأوائل من أيامه المباركة؟ وما دام مشهد حركة البواخر يتكرر يوميا وهي محملة بالسلع ذهابا وايابا؟.
ان اشكالية تلكؤ مفردات البطاقة التموينية المغلفة بهذا الكم الهائل من الأخبار المستنسخة عن أصل ممل مفاده ( التجارة تعلن عن وصول بواخر محملة بـ... !!) أضحت محط سخرية القارئ .. لأن بلداً يستهلك سنويا أربع ملايين و400 ألف طن من الحنطة، ونحو مليون طن رز، و800 ألف طن من السكر، و500 ألف طن من مادة حليب الأطفال، و600 ألف طن من مادة زيت الطعام في مفردات البطاقة التموينية فقط .. ولا ينتج منها سوى ثلاثة ملايين طن من الحنطة ( وهذا الرقم تصاعد فقط في هذه السنة بعد أن كان مليوني طن خلال السنوات الماضية ) .. من الطبيعي أن تشهد موانئه يوميا رسو أعداد من البواخر المحملة بالأغذية المستوردة.. وبالتالي فان خبرا مثل هذا لا يعدو أكثر من اعلان لقصدية لا يمكن تسويقها في مناخ من عدم الثقة ، وبأمانة أنقل عن انسان بسيط قوله « ان وزارة التجارة لو كانت ناجحة في توفير مفردات البطاقة التموينية لما عمدت نشر مثل هكذا أخبار .