المنبرالحر

حلم الدولة الفلسطينية .. بين النكبة واتفاقية أوسلو / احمد عواد الخزاعي

أعطت بريطانيا ما لا تملك لمن لا يستحق، من خلال وعد بلفور الذي منحته لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين عام ميلادي 1917وكانت الضحية شعب بأسره عانى محنة التشرد وغياب الهوية لأكثر من سبعة عقود مضت ، بين حلم العودة لبلد أصبح هامشا في الذاكرة الجمعية للسياسة الدولية ، قد تجاوزه العالم منذ إعلان الأمم المتحدة اعترافها بإسرائيل كدولة على الأراضي الفلسطينية عام 1949، وبين قرارات ووعود واتفاقيات بقيت حبرا على ورق ، ظل الشعب الفلسطيني فيها أسيرا تتقاذفه النكبات والانتكاسات والتي بدأت بإعلان إسرائيل نفسها كدولة على معظم الأراضي الفلسطينية في 15 أيار 1948بعد أن تم غض الطرف من العالم على تنفيذ قرار رقم 181 الصادر من الأمم المتحدة عام 1947 والقاضي بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها إلى ثلاثة أجزاء ، إسرائيلي وفلسطيني وجزء تحت وصاية الأمم المتحدة ، والذي يضم القدس وبيت لحم ، وساهم إعلان دولة إسرائيل هروب وتشريد أكثر من سبعمائة وخمسين الف شخص إلى الدول العربية المجاورة وتركهم لديارهم وأراضيهم لتكون ردة الحكومات الرجعية العربية آنذاك خجولة وضعيفة ومتآمرة على جيوشها التي ذهبت تقاتل إسرائيل ، وكان لهذا التآمر وجهان .. الأول بالأسلحة الفاسدة التي زودت بها ، والثاني بالهدنة التي وافقت عليها هذه الحكومات والتي مكنت إسرائيل من استعادة المبادرة ولملمة ما تبقى من قوتها بعدما وصلت بعض قطعات الجيش العراقي على مشارف جنين ..إضافة إلى وجود مفارقة مضحكة في هذه الحرب وهي ان قائد القوات الأردنية كان الضابط البريطاني غلوب باشا ..وكما قال ابو نؤاس (وداوني بالتي كانت هي الداء )..وفشل العرب في حربهم الأولى مع إسرائيل ، ثم فرط العرب بما تبقى منها بنكسة حزيران 1967، لتزداد محنة هذا الشعب وتحدث الهجرة الثانية له مما تبقى من أرضه في غزة والضفة الغربية ..ولكن السؤال هنا لماذا أريد لهذا الصراع أن يكون عربيا إسرائيليا ، على الرغم من أن العرب في أبجديات صراعهم هذا يرددون دائما بان إسرائيل دين وليست قومية .. ؟ ..ولماذا لم يطرح هذا صراع بشكل ..(إسلامي _إسرائيلي صهيوني) أليس القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين عند المسلمين ..؟
ومن كان وراء هذا التوجيه لسير الإحداث ..؟.. اعتقد إن الصراع لو اخذ المنحى الأخر لأخذت القضية الفلسطينية بعدا عالميا وإنسانيا اكبر وأصبحت قضية كل مسلم مهما كانت جنسيته أو قوميته أو انتمائه ، ولكانت عوامل الضغط على إسرائيل أقوى وأكثر فعالية .. لقد خاض العرب أربعة حروب مع إسرائيل ولم يحققوا إي انتصار يذكر عليها سوى عبور خط بارليف وتحرير جزء من ارض سيناء التي كانت تحت سيطرة إسرائيل في حرب تشرين عام 1973 ميلادي ولا نعرف ما هي الملابسات التي وقفت وراء هذا النصر، وهل هذه الهزيمة فرضت على إسرائيل أم منحتها هبة تمهيدا لما كان تخطط له والذي سار بالأمور إلى اتفاقية كامب ديفيد للسلام التي وقعها أنور السادات مع رئيس وزرائها آنذاك مناحيم بيكن عام 1978 ميلادي .. وحين احرق المتطرفون اليهود المسجد الأقصى عام 1969 جلس العرب ينظرون إلى بعضهم البعض بينما الطرف الآخر بقي يترقب ردة فعلهم وحجمها، بقول رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك غولد مائير ..(عندما حرق المسجد الأقصى لم انم ليلتها وأنا أتخيل إن العرب سيدخلون إسرائيل من كل صوب لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت إن باستطاعتنا فعل ما نشاء فهذي امة نائمة ) .. ولماذا لم يعط العرب الفرصة للفلسطينيين أنفسهم بتحرير بلادهم بقوة السلاح أو تشكيل عامل ضغط على إسرائيل ليفاوضوا من موقع القوة على استرداد ولو جزء منها يكون وطن لهم ..؟ ... لقد أسس مؤتمر القمة الذي عقد في مصر عام 1964 منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني واختير احمد الشقيري رئيسا لها ومن ثم اختير المرحوم ياسر عرفات عام 1969والذي تزعم المنظمة حتى وفاته عام 2004 ، واعترفت بها الأمم المتحدة عام 1974.. ولكن ماذا قدم العرب لهذه المنظمة التي كانوا السبب الرئيسي لوجودها ..؟.. في أيلول عام 1970 شنت القوات الأردنية عملية عسكرية على جميع المخيمات الفلسطينية في الأردن ، حيث تمركز قوات منظمة التحرير الفلسطينية وتم قتل الآلاف منهم واسر 7000 ألاف آخرين بما سمي لاحقا (بأيلول الأسود) ، بدعوى التآمر على امن الأردن وسيادته وحين حاولت سوريا مساعدتهم تدخلت الولايات المتحدة الأميركية لصالح الأردن وأرسلت ثلاث سفن حربية محملة بالجنود لدعم الجيش الأردني .. وعندها قرر العرب نقل مقاتلي المنظمة إلى لبنان وهناك حدثت مجزرة مخيمي اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا والتي راح ضحيتها أكثر من 3500 شهيد ، من أطفال وشيوخ ونساء ، حين حاصرتهم القوات الإسرائيلية بقيادة ارئيل شارون بمساعدة حزب الكتائب اللبناني على مدى ثلاثة أيام وقامت بتنفيذ مجزرة بحقهم وعلى مرأى ومسمع العرب والعالم، لتحاصر بعدها القوات الإسرائيلية المقاتلين الفلسطينيين وتجبرهم على مغادرة لبنان إلى تونس .. من يتابع هذه الإحداث يصل إلى قناعة بان الحكومات العربية قد سرقت المبادرة من الفلسطينيين والتي كانت الطريقة الأنجع لإيجاد حل لقضيتهم الشائكة.. وفي تونس مارس التآمر العربي على القضية ابشع صوره وذلك بالسماح لإسرائيل باغتيال ابرز قادة المنظمة هناك وهم خليل الوزير (أبو جهاد) عام 1988 ، وصلاح خلف (أبو أياد )عام 1991..ونتيجة لهذا المخاض العسير والخذلان العربي الذي واجهته القضية الفلسطينية على مر تاريخها المليء بالماّسي والذي اصطبغ بدم أبنائها ، من مجزرة دير ياسين عام 1948 إلى ثورة الحجارة التي اندلعت عام 1987والتي راح ضحيتها أكثر من1300 فلسطيني ، والتي شكلت عامل ضغط على إسرائيل والأسرة الدولية وانتهت بذهاب منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح بزعامة المرحوم ياسر عرفات إلى واشنطن وتوقيع اتفاقية (أوسلو) في 13 أيلول عام 1993 ، وتم فيها إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي ..وتوقيع اتفاق السلام بين إسرائيل و منظمة التحرير الفلسطينية بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلنتون ، وسمي بأوسلو نسبة إلى عاصمة النرويج التي جرت فيها المفاوضات السرية لهذا الاتفاق عام 1991، والتزمت منظمة التحرير الفلسطينية فيه بالاعتراف بدولة إسرائيل والوصول لحل جميع القضايا العالقة عن طريق المفاوضات ، وكذلك نص الاتفاق بإقامة سلطة حكم ذاتي في الضفة الغربية وغزة لفترة انتقالية تدوم خمس سنوات للوصول إلى تسوية دائمة وشاملة ، مع إقامة انتخابات تشريعية ورئاسية خلال هذه الفترة .. واعترف فيها إسحاق رابيين رئيس الوزراء الإسرائيلي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني، وتم تطبيق المرحلة الأولى من الاتفاق وانتخب ياسر عرفات رئيسا للسلطة، وانتخب المجلس التشريعي الأول لفلسطين بعد الاحتلال ..وبعدها بعامين اغتيل إسحاق رابين بطريقة هوليودية عام1995 ميلادي على يد مستوطن يهودي ، وتعثرت المفاوضات واستمر الاستيطان وبني الجدار العازل الإسرائيلي عام 2002 ، وانتهت القضية إلى الفوضى التي عليها الآن والتي بدأت بخسارة حركة فتح للانتخابات التشريعية لصالح حركة حماس عام 2006 وانسحابها من الحياة السياسية وانكفائها في الضفة الغربية ، ودخول هذه التجربة في مرحلة الفوضى السياسية والاجتماعية ، ونشوب نزاع مسلح بين الحركات الفلسطينية داخل مناطق الحكم الذاتي، وهذا ما كانت تسعى إليه إسرائيل ..إن سياسة العرب الخاطئة والانتهازية اتجاه القضية الفلسطينية واستفرادهم بالبت في القرارات المفصلية فيها وضعفهم وخنوعهم اتجاه إسرائيل وخشيتهم منها ، هو الذي حرم الفلسطينيين من تحقيق حلمهم بإنشاء دولتهم ولو على الجزء الذي قبلوا به من أرضهم المسلوبة ، وان التاريخ لن يغفر للعرب تفريطهم بهذه الأرض المقدسة وضياع شعبها وهويته الوطنية ، فلازال أكثر من خمسة ملايين فلسطيني في الشتات ينتظرون العودة .. وأوسلو كانت هي محط الرحال لمسيرة الكفاح المسلح ونهاية القضية بعد أن اعترف الفلسطينيون بدولة إسرائيل على أرضهم وإقرارهم بذلك دون أن يحصلوا على أي شيء بالمقابل .. كما أشار الشاعر الكبير محمود درويش حين سؤل عن قصيدته (جدار كلكامش) والتي كتبها بعد اتفاقية أوسلو ..قال بأننا نحن الذين تركنا وخذلنا القضية ، كما ترك انكيدو صديقه كلكامش في منتصف الطريق .. لكن انكيدو لم يمت هذه المرة بل ترك كلكامش ليذهب مع غانيته التي أغوته .