المنبرالحر

مراكز الدجل.. لعلاج العلل! / د. سلام يوسف

يعيش البلد فوضى القوانين والرقابة على تطبيقها، بل في أحايين كثيرة نفتقد وجود القوانين. وسبق ذلك عدم الالتزام بالدستور والالتفاف عليه في هذه المحطة أو تلك. وان البلد ومنذ زوال النظام الدكتاتوري تسيّره الإرادة التحاصصية بين الكتل المتنفذة وليس المصلحة الوطنية الدنيا أو العليا.
والمعروف أن كل النشاطات الإنسانية في البلد تدخل تحت عنوان كبير وواسع ألا وهو «خدمة عامة» والتي تخضع الى ضوابط، هذه الضوابط يتم استخلاصها من روح القوانين المقيّدة بالدستور، لماذا؟ كي تقطع الطريق أمام المتلاعبين بمقدرات الناس وعدم استخدامهم لـ(الخدمة) استخداماً مشوهاً استغلالياً لمنافع ذاتية صرفة.
كليات الطب يتخرج فيها مَنْ سيكونون أطباء المستقبل الذين مهمتهم تشخيص أمراض الناس وتحديد العلاج، أما باقي خريجي الكليات التقنية أو معاهد ودور الطبابة والتمريض وغيرها ،فهم جميعاً يعدون العمود الفقري للطبابة والمسؤولين عن تطبيق ومتابعة قرارات الأطباء التشخيصية، بل هم المساعدون الرئيسيون في اغلب الأحيان.
وفي بلادنا التي تمتاز بفوضى السوق وقد غابت عنه الضوابط التي تنظمه وتضبطه، فراح كل من هب ودب يمارس عملاً يتكسب منه نافذاً من ثغرة غياب القوانين وضعف المتابعة وتراجع الوعي المجتمعي والاستغلال البشع لمعتقدات الناس، إضافة الى السلبيات التي تشوب ممارسة ذوي المهن لمهنهم.
ومثال صارخ على ذلك العيادات والمراكز غير القانونية ولا العلمية التي يفتحها أصحابها «ليعالجوا» فيها أمراض الناس.
إن الاستغلال البشع لمعتقدات الناس وكذلك استغلال الجهل والتراجع المعرفي بينهم من قبل آخرين ارتضوا أن يتاجروا بآلام وأنين بني جلدتهم، إنما هو العودة الى القرون المظلمة والاستخفاف بعقول وحياة البشر.
ملصقات هنا وهناك على حيطان البنايات والجدران الكونكريتية، بوسترات أعلانية لمثل هذه العيادات التي يدعي أصحابها أنهم يشفون كل الأمراض بلا استثناء! والأغرب من كل ذلك تجد هذه الملصقات في الأماكن القريبة من المستشفيات والمجمعات الطبية.
كل هؤلاء الذين يدعون قدرة أشفاء كل المرضى ومن كل الأمراض ،هم ليسوا بأطباء، ولم يدرسوا التشريح وعلوم فسلجة الأمراض والصيدلة والباطنية والجراحة والبكتريولوجي والطفيليات والفايروسات والأشعة والأمراض الجلدية والنسائية والتوليد وأمراض الأطفال والأمراض السرطانية ،العظام والكسور وأمراض الأنف والأذن والحنجرة وأمراض العين والجهاز العصبي والأمراض النفسية وغيرها.
كيف لهم إذاً أن يدعوا بما ليس لهم؟ فهم حفاة من المعرفة ولا يمتلكون ألاّ القدرة الكلامية، ينطقون بجملٍ توهم المريض وأهله، بل كيف يجرؤ مريضٍ ما أن يسلّم حياته بيد إنسان لا يعرف ولم يسمع حتى بمسببات الأمراض؟
ومادامت الجهات المخوّلة بالموافقات على فتح العيادات والمراكز العلاجية تغض الطرف عن انتشار عيادات ممارسة الدجل والشعوذة وكأن أمرها لا يعنيها او تخشى المساس بها، وكذلك عدم اكتراث الجهات المعنية الرادعة، فأن مثل هذه الظواهر ستزداد في مجتمع يتراجع بكل قيمه. امام هذه الحالة المزرية نضم صوتنا الى الاصوات الفاضحة لهؤلاء المشعوذين المتلاعبين بعقول الآخرين كون ذلك له بعده الوطني وله صلته المباشرة بحياة الناس.