المنبرالحر

عجز الحكومة حتى عن مكافحة أفعى سامة / د. كاظم المقدادي

لم أجد كلمات تمهيدية لمقالي هذا أفضل من الكلمات التي تضمنتها رسالة وصلتني قبل أيام قلائل عبر بريدي الألكتروني من أحد أبناء ناحية سيد دخيل في محافظة ذي قار وهو يتساءل فيها: بربك،يا أستاذ، أليست مهزلة وفضيحة مخجلة ان تفشل حكومة بمؤسساتها المعنية في مكافحة أفعى قاتلة طيلة ثلاثة أعوام ؟!!..
الأفعى المقصودة هي التي إشتهرت بإسم "أفعى سيد دخيل"، وهي أفعى صغيرة، لكنها سامة جداً،وتعد من أخطر الأفاعي في العالم وتتكاثر بسرعة.
هذه الأفعى تنتشر في المنطقة منذ ثلاثة أعوام، وتتواتر الأخبار عبر وسائل الأعلام بأنها لدغت،لحد الآن، نحو 200 مواطناً ومواطنة، وقتلت منهم أكثر من 60 شخصاً،عدا الذين لدغوا وتوفوا ولم يسعفهم أحد، ولم تسجل الوفاة بسبب لدغة أفعى.ومن الضحايا عدد غير قليل من الأطفال.وتسود بين أهالي المنطقة حالة من الذعر ويتهمون الوزارات المختصة بتجاهل ما حل بهم. وقد إضطرت العديد من العوائل لترك بيوتها خوفاً على أطفالها، بعد ان هاجمت الأفعى المنازل وصفوف المدارس وغيرها.
وقد ذهبت أدراج الرياح مناشدات المواطنين في محافظة ذي قار ومطالباتهم الملحة رئاسة الوزراء ومجلس النواب ووزارة الصحة ولجنة الصحة والبيئة البرلمانية الى اتخاذ إجراءات فاعلة وعاجلة لإنقاذهم من خطر الأفعى.
لو عدنا قليلآ للوراء نجد ان وسائل الأعلام نقلت الكثير من تصريحات المسؤولين،ومنها ما يتعلق بتشكيل لجان، وتأسيس مركز للسموم في الناصرية، وزيارات ميدانية،ووعود كثيرة بالفضاء على الأفعى وتخليص المواطنين من خطرها خلال فترة وجيزة.
وفي هذا الأطار أعلن عن قيام وفد وزاري متخصص من ممثلي وزارات الزراعه والبيئة والصحة والتعليم العالي والبحث العلمي والعلوم والتكنلوجيا،إضافة لممثلي المحافظة والمجلس البلدي ومدراء عدد من الدوائر، بتفقد المناطق المتضررة للاطلاع ميدانياً على الواقع الذي تعيشه المنطقة ولتوحيد الجهود والخروج باجرات سريعة ودقيقة للقضاء على الافعى الخطيرة.
وأصدرت وزارة الزراعة بياناً جاء فيه ان الهيئة العامة لوقاية المزروعات نفذت بالتعاون مع مديرية الزراعة في محافظة ذي قار واللجنة العلمية الوزارية المكلفة بدراسة الإجراءات المطلوبة، حملة مكافحة استباقية للأفاعي السامة استمرت ثلاثة أيام، و"تمت مكافحة جحور القوارض القديمة والجديدة المنتشرة في أراضي قرى الناحية، وبالخصوص الأنهار التي أصابها الجفاف والاراضي الزراعية الجافة المحيطة بالمنازل بـ (أقراص الفستوكسين)،ووضع مصائد جاذبة للأفاعي في عدد من القرى لغرض مسك الافاعي والتعرف عليها. من جهتها، أعلنت وزارة الصحة عن تشكيل لجنة وزارية برئاسة المدير العام لدائرة الصحة العامة وممثلين من اقسام الدائرة لمرافقة اللجنة البرلمانية بشأن افعى سيد دخيل.
وأعلنت وزارة الصحة بأنها إتخذت الأجراءات اللازمة،وأعلنت دائرة صحة ذي قار بأنها تستعد لاتخاذ اجراءتها اللازمة من اسعافات اولية وتوفير الادوية الخاصة لمعالجة لدغة الأفعى..
لكن الواقع العملي يدلل غير ذلك تماماً..
ها هو العام الثالث ينقضي ولم يتحقق شيئاً يذكر، بل ولم تتخذ إجراءات جدية وفاعلة، والدليل إستمرار سقوط ضحايا جدد وسط تجاهل حكومي وعدم فاعلية الجهات المعنية. وبحسب الأهالي، فان الأفعى تزحف باتجاه مركز ‏المدينة متحركةً بحرية وسط إختفاء فرقٍ المكافحة ولإفتقار المستشفى الفرعي الموجود الى الكادر الطبي والى أجهزةٍ طبية والى المصل المضاد اللازمٍ لإسعاف المصابين. وقال مدير ناحية سيد دخيل فائق نعمة: " سبق أن طالبنا بتجهيز المراكز الصحية في الناحية بالأمصال المضادة لسم الأفاعي بدلاً من أن يضطر المصابون للتوجه الى مستشفيات الناصرية حيث يتوفى معظمهم في الطريق الطويل".. ولا من يسمع ولا من يجيب !!..وتمتنع دائرة صحة ذي قار عن الإدلاء بأي تصريح تجاه ما يحدث للمنطقة،الأمر الذي دفع بالمئات من اهالي ناحية سيد دخيل الى التظاهر احتجاجا على الصمت الحكومي على ظاهرة الافعى الفتاكة، مهددين بالاستمرار بالتظاهر ومقاضاة الوزارات المعنية، في حال عدم معالجة الوضع المتفاقم.وهو ما أضطر مجلس محافظة ذي قار،المنتهية ولايته، التوجه الى القضاء لرفع دعوى ضد وزارت: الصحة،البيئة، والزراعة،لأهمالها مناشدات أهالي المحافظة لتخليصهم من هذه البلوى.
وإتضحت أمور كثيرة وممارسات مخجلة، ومنها ان بعض الأمصال التي وصلت الى الناصرية كانت غير فعالة ومن مناشئ مشكوك فيها، ومع ان صحة ذي قار نفت ذلك،لكن مصدراً طبياً في محافظة ذي قار أكد بان العلاجات المقدمة لضحايا الأفعى كانت علاجات غير مجدية مما أدى الى وفاة العديد منهم. وحمل نائب رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس محافظة ذي قار هلال حسين وزارات الزراعة والبيئة والصحة مسؤولية التقصير في مكافحة أفعى سيد دخيل كاشفا عن قيام وفد مشترك من المحافظة بزيارة الوزارات المعنية من اجل الوصول إلى نتائج تتعلق بالمكافحة وتوفير العلاجات الطبية.وكان مدير قسم الصيدلة في دائرة صحة المحافظة حسن علي شبر قد حذر من نفاذ العلاجات الخاصة بلدغة أفعى سيد دخيل في مستشفيات المحافظة، ما دعا إلى تشكيل فرق مشترك لزيارة إيران خلال الأسبوع المقبل واخذ عينات من أفعى سيد دخيل لتحليلها تمهيدا لإيجاد المصل الفعال لمعالجة لدغتها.
وفي الأول من تموز 2013 تحركت وزارة البيئة وإتهمت وزارة الصحة علانية بالتقصير في مكافحة الأفاعي السامة في ناحية سيد دخيل.وقال مدير عام الدائرة الفنية في الوزارة راجي الحمداني إن "وزارة الصحة اتخذت إجراءات بدائية متخلفة لمكافحة أفعى سيد دخيل في محافظة ذي قار".وكشف بأن "وزارة البيئة هي من طلب من مجلس محافظة ذي قار رفع دعوى قضائية ضد وزارة الصحة كونها جهة مقصرة".وأشار الحمداني إلى أن "البيئة رفعت تقريراً مفصلاً إلى رئيس الوزراء أكدت فيه عدم قدرة وزارة الصحة على مكافحة الأفاعي في ناحية سيد دخيل"..
وهنا يطرح نفسه السؤال التالي:ما الذي فعلته وزارة البيئة لمكافحة الأفعى المذكورة المنتشرة في ناحية سيد دخيل، وهي التي أعلنت في 12 تموز 2013 بان الفرق الفنية التابعة لها نفذت حملة للوقاية من خطر الافاعي السامة في محافظة الديوانية.وأوضح امير علي الحسون- مدير عام دائرة التوعية والاعلام البيئي" ان فرق مديرية بيئة الديوانية اجرت حملة للبحث عن الافاعي السامة التي تنتشر في قرية الحفار بمحافظة الديوانية والتي تسببت باصابة عددا من المواطنين.وهي تحاول الوصول الى الاسباب الحقيقية وراء ظاهرة انتشار هذه الافاعي في القرية المذكورة ،مشيرا الى ان وزارة البيئة من خلال المختبرات الموجودة لديها تحاول التنسيق مع وزارة الصحة لغرض الوصول الى الامصال اللازمة للوقاية من لدغات هذه الافاعي .وان معرفة اسباب ظاهرة انتشار هذه الافاعي سيساعد في رصدها للتمكن من تقليل اثارها الضارة على المواطنين بما لايشكل خطرا على التنوع الاحيائي لتلك المناطق" .
بدورة أوضح وكيل وزارة البيئة ستار الساعدي إن "موضوع مكافحة القوارض والأفاعي السامة هو من مهام الحكومات المحلية في المحافظات ودوائر البلدية حصراً"..
فإذا كان الأمر هكذا، فلماذا إذاً قامت الفرق الفنية لوزارة البيئة بالحملة الوقائية في محافظة الديوانية ولم تقم بمثلها في محافظة ذي قار ؟!!.. وإذا عجزت حكومة محلية في العراق عن تنفيذ مثل هذه المهمة فلمن تلجأ ؟ ومن الذي يتوجب مساعدتها ؟.. أليس الحكومة المركزية ؟
في ظل هذا التخبط وسوء إدارة المشكلة المتواصل، تزايدت أعداد الضحايا.فقبل أسابيع ذكر مصدر مطلع بان شابة لدغتها الافعى المذكورة في دارها بمركز ناحية سيد دخيل لتشكل الحالة الثامنة، توفى ثلاثة منهم،وهم شاب وفتاتين، من دون وجود جهد حكومي. وقد نقلت المواطنة عتاب هادي البالغة من العمر 20 سنة الى مستشفى الحسين التعليمي للمعالجة.وقد إنقذت حياتها بصعوبة بالغة.
وفيما أعلنت وزارة الصحة مؤخراً بأنها إستوردت 1000 أمبولة مصل مضاد لسم الأفعى لصالح دائرة صحة ذي قار، تبين أنها لم تستوردها،وإنما زودتها بها وزارة الصحة في إقليم كردستان العراق.ولعل الأهم أن المصل لم يصل الى كافة المراكز الطبية.ولم تتم فرحة المواطنين في ناحية سيد دخيل بخبر تأمين الكمية اللازمة من المصل المضاد.ففي 1/7/2013 سقطت ضحية جديدة للأفعى هي المواطنة بشرى جبار كاطع،التي أدخلت مستشفى الحسين التعليمي في المحافظة واصبحت شبه ميتة بسبب تلف كافة الأنسجة والخلايا في جسمها- وفقاً لتقرير عباس الصالحي-. لأنها لم تستلم المصل المضاد في وقته. وفي 5 تموز 2013 سقطت الضحية رقم 17 خلال هذا الصيف وهي المواطنة سليمة فليح وأدخلت المستشفى التعليمي أيضاً...
وما يزال الصيف في ذروته والأفعى حرة طليقة تلدغ وتميت والسلطة عاجزة عن مكافحتها، وتتحمل كامل المسؤولية.فلو كان هنالك إهتمام جدي من قبل الحكومة ومؤسساتها المعنية، ولو إتخذت إجراءات مكافحة فاعلة، اَنية وعاجلة، لما تكاثرت أعداد الأفعى، ولما إنتقلت من مكان الى اَخر، من المزارع الى المنازل وصفوف التلاميذ قي مباني المدارس وغيرها، ومن قرية سيد دخيل الى القرى المجاورة: الأصلاح ،الغراف، العبودة،البو جمعة، الهصاصرة،البو زياد،الحصونة، وغيرها. ووصلت الأفعى الى مدينة الناصرية عن طريق الشاحنات المحملة بالتراب القادمة من أطراف محافظة ذي قار.وتحولت الى كابوس يطارد أهالي المنطقة وأطفالهم.ويقال ان الأفعى نفسها وجدت في إحدى القرى في محافظة الديوانية.
ونتساءل: أين صارت وعود المسؤولين ؟
وأين هي نتائج اللجان المشتركة ؟
وما هي الإجراءات المتخذة لمكافحة الأفعى عملياً ؟، وما مدى فاعليتها ؟!..
وألى متى يستمر صمت الحكومة وعجزها عن حماية المواطنين من أفعى قاتلة ؟
ونكررالسؤال الذي طرحناه قبل عام ونيف:إذا كانت مؤسسات الدولة العراقية عاجزة عن التصدي لأفعى سامة، فكيف إذا أصاب البلد- لا سمح الله - مكروه أعظم وأخطر ؟!!
فلا يسعنا إلا أن نقول:مبروك على العراق حكومة فاشلة ليس فقط في حماية أمن وسلامة المواطنين من جرائم الأرهابيين والمليشيات المسلحة والجريمة المنظمة، وإنما هي عاجزة عن حمايتهم من أفعى سامة !!

* أكاديمي عراقي مقيم في السويد