المنبرالحر

أنتم تغلقون المصانع ونحن نستورد البضائع ..! / علي فهد ياسين

اذا كان لكل نظام مر على العراق سماته المتعلقة بظروف تشكيله وتداعياته ، فأن (النظام الحالي) ينفرد بمجموعة متداخلة من السمات لا تمت تفاصيلها ومسارات تشكيلها بصلات لكل ما سبقها على مدى تأريخ العراق الحديث ، أنتجت ومازالت فوضى غير مسبوقة في بلد كان ينتظر اعادة بناء للإنسان والمؤسسات، بعد نصف قرن من الصراعات السياسية والحروب العبثية التي كلفت الشعب خسائر جسيمة على جميع المستويات .
من بين تلك السمات البارزة لمرحلة ما بعد الدكتاتورية هي ( الشلل شبه التام للصناعة الوطنية ) ، وقد جرت (ادامته) بطرق واساليب مختلفة ، بدت في بعضها مخطط لها بعناية وأتت البقية كتحصيل حاصل، من خلال ترابط الانشطة السياسية والاقتصادية كمنظومة تتبادل التأثير بين أطرافها، فقد جرى (تعطيل) مشاريع الطاقة الكهربائية ،العصب الرئيسي لإعادة تأهيل المصانع الوطنية ، وتم اغراق السوق بالبضائع المستوردة من اسوء المناشئ، دون رقابة ولا سيطرة نوعية ولا تعرفة كمركية ، لتكون المقارنة بينها وبين المنتوج العراقي هو سعرها المتدني، وهو قياس ظالم بكل المقاييس، وتأثيراته مدمرة على منظومة العمل العراقية، وعلى الاقتصاد العراقي في نهاية المطاف .
لقد جرى تأهيل بعض المصانع العراقية باعتماد خطط وبرامج فردية ، كأن الوزارات العراقية المعنية بهذه الخطط تعمل في بلدان متعددة وليس في بلد واحد، وقد رافق ذلك برامج ايفادات خارجية لبلدان متعددة ، هي الاخرى لم تنسق فيها تلك الوزارات مع بعضها لتعميم الفائدة ، اضافة الى انها كانت في الغالب الاعم من حصص المسؤولين الكبار وبطاناتهم ، وهؤلاء بالنتيجة ليس لهم علاقة مباشرة مع مكائن الانتاج التي يقف عليها العمال الذين حرموا من تلك الايفادات الخاضعة للمحسوبية والعلاقات الشخصية على حساب مصلحة العمل، وقد (تمتع) بتلك الايفادات البعض ممن روجوا معاملات تقاعدهم بعد انتهاء مدة الايفاد ، وهو مثال واحد على طبيعة تلك الايفادات، ناهيك عن المبالغ الهائلة التي صرفت على تلك الانشطة ولم تستثمر نتائجها في التشغيل المنتج والمفيد لتلك المصانع التي شملتها برامج اعادة التأهيل الفاشلة .
من بين المصانع التي تم تأهيلها من قبل وزارة الصحة في العام 2010 (مصنع المحاقن الطبية النبيذة في بابل) ، ليتم اغلاقه في العام 2013, وقد صرحت الدكتورة مدير عام دائرة الامور الفنية في الوزارة يوم أمس (لا يمكن السماح للمعمل بالإنتاج الا بعد تطبيق شروط التصنيع الخاصة بالمستلزمات الطبية)! ، فيما قال المتحدث باسم الوزارة أحمد الرديني (أن معمل الحقن الطبية في محافظة بابل أغلق منذ عامين بسبب كثرة الشكاوى وعدم استيفائه الشروط الصحية)!، ولم يوضح اي منهما دور وزارة الصحة ولا إجراءاتها لمعالجة الخلل في ( شروط التصنيع والشروط الصحية ) طوال العامين الماضيين لإعادة المصنع الى وضعه الطبيعي ، خاصة والوزارة كانت انفقت المليارات على تأهيله ، وهو ليس مصنعاً للقطاع الخاص تغلقه الوزارة وتنتظر من المالكين اكمال نواقصه للسماح لهم بإعادة افتتاحه من جديد .
أن هذا المصنع هو الوحيد لإنتاج المحاقن الطبية في العراق، وقد كان يسد الحاجة الفعلية للبلاد قبل حصار التسعينات وبعده ، ولم يغلق يوماً للأسباب التي اوردتها وزارة الصحة ، رغم الظروف الصعبة في توفير قطع الغيار والمواد الاولية التي يعتمد عليها الانتاج ، فكيف يغلق الآن مع كل الامكانات المتوفرة له وللوزارة في توفير حاجاته ؟ وعلى ماذا صرفت المليارات اذا لم تكن على ( شروط التصنيع والشروط الصحية )! ، وكيف كان يعمل خلال السنتين اللاحقتين لتأهيله قبل اغلاقه ؟!.
هذه الاسئلة وغيرها الكثير التي يعرفها أصحاب الشأن ، مطلوب من وزارة الصحة العراقية ومن الجهات المسؤولة الاخرى، الاجابة عليها ومحاسبة المقصرين فيها كما ينبغي، والعمل على اعادة افتتاح هذا المصنع، قبل أن يضاف ملف غلقه (المشبوه) الى ملفات أخرى ، تنشط فيها جهات معروفة تحولت الى (مافيات ) تعمل تحت شعار ( أنتم تغلقون المصانع ونحن نستورد البضائع )، ليكون المتضرر الاكبر هو المواطن العراقي ، المحاصر بالبطالة وارتفاع الاسعار والتدهور الامني وضعف الخدمات ، وهي جميعها مخرجات طبيعية للصرعات الطائفية والسياسية العقيمة التي أنتجت الفساد العام واعتمدته وسيلةً للبقاء .