المنبرالحر

دعوا الفتنة نائمة : اللعنة على من يوقظها / جواد وادي

ما أن سقط نظام البعث الفاشي غير مأسوف عليه، حتى أسرعت كل الثعابين صوب جحورها المعدة سلفا بعد أن تسنى لها أن تفلت ممن يتربص بها حين كانت تعيث فسادا ونشرا لسمومها القاتلة حتى لاذت بالفرار من القصاص العادل بعد أن توجهت لها حراب التصفيات لحسابات كان لا بد من تحريكها باتجاه انصاف الضحايا ومن وصلت له محارق البعث من قريب أو بعيد، فكان لا بد من البحث عن الحلفاء من الشياطين الكفيلة ببث الفوضى واحداث أوضاع مرتبكة من شأنها أن تخلخل الوضع الجديد الذي دفع العراقيون تلالا من القرابين لهذا اليوم المنشود الذي صار لهم قدرا لعينا وقاتلا وهم يذوقون الموت يوميا تحت سياط الرعب المخيف والموت المجاني لأتفه الأسباب، فكانت وللأسف القوى الناهضة الجديدة بسبب هشاشة تجربتها في قيادة دفة البلاد المنهوكة على جميع الأصعدة وكانوا يعلمون بحجم المخاطر التي تواجهها، لكنهم تقاتلوا على تقسيم الغنائم وانشغلوا بكيفية الاستحواذ على المكاسب، مادية كانت أم سياسية، وبالتهافت الخطير على ما تتمكن أياديهم وجهودهم من الوصول إليه، وتركوا الوطن الخارج للتو من محارق وحروب ودمار ومغامرات لا عد لها لقد تشظت معارضة الأمس شيعا وأحزابا وأصدر كل فصيل فرماناته وقوانينه وكأنه يريد هو بمفرده أن يستحوذ على كل شيء وترك الأخرين يتصارعون من أجل القطاف الذابلة أصلا، والمصيبة أن الكل يعترف بأن هكذا قيادة للبلد ستقود للتهلكة ومع ذلك تمادوا كثيرا في غيهم وأعمت عيونهم وقلوبهم أموال البترودولار في الوقت الذي كان العراق بأمس الحاجة للدولار الواحد من أجل أعادة بناء مقومات البلد الخدمية المخربة بالكامل، مع ذلك أدار الجميع ظهورهم وكأن الأمر لا يعنيهم وقسموا العباد والأرض والممتلكات وكل ما يدب على الأرض العراقية فيما بينهم وكأنه ملك صرف لهم وعاثوا فسادا وخرابا وتمادوا في بث فوضى الفساد والنهب والكسب الحرام، مستخدمين شتى الحيل وصيغ التلاعب من اجل إضفاء شرعية نهب مقننة وابتكروا وسائل جديدة لم تكن تحضر في أذهان الأبالسة وما كانت معروفة بهذا الحجم المخيف حتى في زمن الطاغية الذي بدد أموال فقراء العراق على الحروب والمغامرات وشراء الذمم داخل وخارج العراق، ليأتي هؤلاء المعارضون له ويتمموا مسلسل الخراب، ولكن بصيغ مغايرة وخبيثة من شأنها خداع كل المستضعفين والمتضررين والمسحوقين من عامة العراقيين وبشعارات مذهبية تعد بالنسبة للبسطاء خطوطاً حمراء حتى وإن بقي الفقير هو واولاده دون طعام وشراب، لمجرد احياء طقوس وشعائر كانوا يناظرون اليوم لممارستها وهم صادقون طبعا لتعلقهم بهذه الطقوس ولبساطة وعيهم وعدم قدرتهم على فرز الأحابيل والخدع من المواقف المؤمنة حقا، فاختلط الحابل بالنابل، وحدث ما حدث وما زال الأمر قائما وإن بوتيرة أقل لاكتساب الناس وعيا جديدا حتى وإن كان متواضعا بأن ما يجري من ضحك على الذقون هو مجرد لعب مع الشيطان وتحالف من أبالسة الخطيئة لنهب المال العام وسرقة اللقمة الحلال من أفواه الجائعين لتصبح نارا في جوفهم كما جاء في النص المقدس والحديث الشريف، ولكن ما الذي يهم إن كانوا على بينة بأن هذا الطريق هو الأقرب لحصد المكاسب،وما مظاهر اللباس الخادع والكلام المعسول إلا وسائل للوصول للأهداف الرثة.
من هنا بدأت مشاكل العراق التي كان وقودها تطبيق المحاصصة والطائفية والتفريق بين العراقيين، فكان من الطبيعي أن تنتج كوارث وويلات ووقوع تناحر مخيف بين أبناء البلد الواحد، ولولا الرصيد الحضاري والإرث التاريخي ووجود عقلاء انتبهوا لبوصلة التشتت التي تقود العراق للتفتت، لعاد العراق ممالك وحكومات وشعوباً متناحرة.
لنأتي إلى الفصل الأخير من هذه التراجيديا بعد كل هذا اللف والدوران وجبال الأشلاء وتلال الجماجم، ليكتشف جميع العراقيين أن لا بديل لهم سوى التشبث بوطنهم العراق الذي لا يمكن أن تعوضه أية أرض كونية، وارتباطهم به تاريخا وحضارة ووطنية ووجدانا، فمن لأهالي الأنبار ونينوى وتكريت وديالى وحتى كردستان والكلام موجه لكل العراقيين أينما كانوا، وسطا وجنوبا وفي كل شبر عراقي على ترابه المقدس، غير العراق الذي بجهودهم ونبذ خلافاتهم ومراجعة مواقفهم والاعتراف بأخطائهم سيحظون بوطن تعتز البشرية برمتها به، لا كبقية البلدان؟ إنما هوصانع الحضارات ومبتكر التمدن وباني أسس قيام الدول وتكوين الانسان قبل أن تظهر مدن ودول وشعوب لتصفي حساباتها مع هذه الأرض المباركة. إنه قدركم أيها العراقيون التعايش والتساكن والتحابب معا والسعي لتقوية اللحمة.
اليوم ما زالت المخاطر قائمة وها هي القوى الحية من العراقيين إن كانوا من الحشد الشعبي أو أبناء العشائر الأباة المساندين لجيشهم الباسل وقوى الأمن الوطنية، تقوم بأعمال بطولية عرفها العراقيون منذ الأزل ما أن تجتاحهم موجات من خفافيش القتل والدمار لتنال منهم ومن وطنهم، وفي المحن ودونما تردد يقفون صفا واحدا للدفاع عن وطنهم واسترداد ما أقتطع منه وطرد كل الدخلاء المحتلين والقتلة واسترداد الكرامة التي نال منها الجبناء.
وفي مثل هكذا أوضاع لا بد أن تظهر بعض السلوكات الشاذة هنا وهناك من ضعاف النفوس والجهلة، فلا تتركوا الفرصة مؤاتية لمن يتربص بكم لإثارة مثل هذه الأخطاء وتعظيمها ودق اسفين الفرقة مرة أخرى بعد أن استبشر العراقيون بكل أطيافهم ومشاربهم بهذا الاصطفاف المبارك لتحرير العراق ورفع رايته عاليا وسد كل المنافذ بوجه الأعداء والأبالسة.
أقبروا الفتنة في مهدها ولا تجعلوا دائرة الفتك تعود من جديد ونحن نسمع ونشاهد ما يبثه الحاقدون من أكاذيب لتخويف أبناء العراق من المناطق الغربية بسبب بعض تجاوزات فردية من مخبولين وغير أسوياء ولعلهم مندسون، وتنبغي محاسبتهم إذا ما أراد الجميع ردم الفتنة التي يقينا إذا أيقظها المجرمون، فأن الجميع سيجدون أنفسهم خارج سياق التاريخ والأرض والوطن وبالتالي لا ينفع الندم.