المنبرالحر

إغتصاب صحفي! / قيس قاسم العجرش

يكاد عدد التقارير الصحافية التي تناولت موضوعة الإغتصاب والإعتداءآت الجنسية خلال الحرب الحالية مع الإرهاب، يفوق كل التقارير التفصيلية القادمة من ساحة المواجهة. حرب الإرهاب جعلت سقوف توقعاتنا للبشاعة ترتفع بلا هبوط. لكن لماذا التركيز على قصص الإغتصاب؟
صحفيون أجانب ومحليّون وإقليميون سعوا دائماً الى الحصول على قصة من إحدى المُغتصبات وكان لديهم مبررات مختلفة لتفسير هذا السعي المحموم. البعض منهم قال: إن عرض قصص المغتصبات سيساعدهن على تخطي مِحنتهنَّ وألا يكوننّ ضحية للعار وفق التفكير التقليدي البائس. البعض الآخر من الصحفيين قال: إنّ نقلَ مثل هذه القصص سيدفع الجمهور العالمي الى الإهتمام أكثر. وأظن أن كلا التبريرين غير صادقين تماماً.
تتحدث المعايير الدولية وأخلاقيات الصحافة، بل وحتى قوانين بعض الدول عن منع التعريف بهويّة ضحايا الإغتصاب أو الإعتداءآت على الأطفال أو هوية الشهود العيان لهذه الجرائم، إلا بعد موافقتهم الموثقة رسمياً. لكن هذه الشروط لم تراعى في الحالة العراقية، ليس من جانب الصحفيين المحليين فقط بل حتى من قبل صحفيين دوليين يمثلون وسائل إعلام عالمية كبرى.
شبكة  الأميركية مثلاً، عرضت حديث عدد من المُغتصبات الأيزيديات الهاربات من قبضة داعش ومعه تنويه، بأن هذه القصص تـُبث بعد أخذ موافقة الضحايا وذويهم. في الوقت الذي توجب قوانين الولايات المتحدة تسجيل هذه الموافقات قضائياً وتوثيقها لدى السلطات المختصة قبل أن تبث المحطة الإعلامية صور الضحايا، بل تفرض موافقة القضاء إن كانت الضحية قد تقدمت بشكوى الى السلطات، وهذا لم يحدث أكيداً. إذن نحن أمام «معايير مزدوجة» تستخدمها وسائل الإعلام العالمية مع الحالة العراقية. وسائل الإعلام هذه، إنما تحقق الإنتشار(يعني مزيداً من ?لأرباح) مقابل قصص مثل هذه تنتهك بها الخصوصية وحقوق الضحايا.
«العفو الدولية»سجلت في تقرير لها، إن إحدى المُغتصبات طلبت معونة طبية ورعاية صحية فتمّ خداعها وأخذها من قبل القائمين على الرعاية لتدخل دون أن تعلم مسبقاً،على حشد من الصحفيين ليلتقطوا لها صوراً ويثبتوا حالة إغتصابها وتنتشر قصّتها.
ربما كان القائمون على رعايتها يظنّون أنهم بذلك يخدمون قضيتها عالمياً إلا أنهم بكل فضاضة انتهكوا خصوصيتها واستغلوا حاجتها للرعاية الصحية من أجل تحقيق هدف هي غير مدركة له.
كذلك القوانين الأوروبية تحتوي على التزامات صحفية أخلاقية تجاه الضحايا، لكن هذه المعايير تم خرقها في العراق من قبل صحفيين أوروبيين مراراً وتكراراً..
لا أعرف بالضبط كم علينا أن نرفع سياجنا كي لا نكون «حايط نصيّص» باستمرار!