المنبرالحر

مواقف مخجلة !/ محمد عبد الرحمن

لست في هذه الاضاءة بصدد التوقف عند اوضاع البلد العامة ، ومواقف الكتل السياسية النافذة المتصارعة على مغانمها ومكاسبها ، والمساعي المحمومة لفرض امر واقع بقوة السلاح والتهديد به ، واستمرار خطاب البعض الطائفي والعنصري، وحالة عدم الثقة والريبة وضعف المعنويات ، والفوضى الطانبة ، وتعدد مراكز القرار الامني. فهذه وغيرها هي ما كان وراء فقداننا للموصل، والآن يتكرر المشهد في الرمادي رغم صمود ابناء محافظة الانبار لما يزيد عن السنتين بوجه هجمات داعش بانتظار الدعم والاسناد والتسليح .
لست بصدد هذا الآن ، رغم كونه يستحق التوقف طويلا ، وخصوصا في جوانبه السياسية ، فهي الاساس فيما يحصل ، وما لم تعالج سيتواصل النزيف. ولكن البارز في المشهد هو حالة النازحين المضطرين الى ترك بيوتهم ومدنهم تحت ضغط الاحداث وتحسبا لما يمكن ان يقدم عليه داعش ، وهو قاتل ومجرم وقاطع رؤؤس ، بزّ غيره من الارهابيين في ما يقترفه من موبقات ، وما يسببه من كوارث ومآسي .
فمتى يدرك المسؤولون في الحكومة الاتحادية والمحافظات ان هؤلاء النازحين لا ذنب لهم ، وهم لم يأتوا بداعش ، ولم يكونوا سببا فيما يحصل. انهم ببساطة ضحايا، وهم ايضـأ ضحايا، مواقف المتنفذين في الحكومة السابقة ، ومن يواصل نهجها وطريقة ادارتها للامور في الحكومة الحالية. وضحايا السياسيين الذين امتطوا صهوة الطائفية ، واستغلوا حاجات الناس للقفز الى مواقعهم التي بقيت فارغة .
مشاهد النازحين عند جسر بزيبز تعصر القلب وتدميه ، وبدلا من تقديم المساعدة لهم واحتضانهم والتخفيف من آلامهم ، وهم الذين تركوا كل شيء، نرى هذه الطريقة غير المقبولة في التعامل مع مواطنين عراقيين . انهم ابناء جلدتنا ، ولم يأتوا من بلاد واق واق ، فكفاكم ايها المتنفذون ،المدنيون والعسكريون ، هذه الاجراءات المشينة والمهيمنة . الم تقرأوا الدستور في مادته 37 اولا : «حرية الانسان وكرامته مصانه». فكفاكم اهانة للناس تحت ذرائع وحجج لاتقف وراءها الا حسابات ضيقة وانانية ، وممارسات طائفية مقيتة ، وليس لها علاقة بالموازنة العراقية ، ولا بالتحسب امنيا، وهو ما يمكن تحقيقه، ولا احد يعترض عليه ، بدون هذه « البهذلة» للنازحين واذلالهم ، وشروط الكفيل والمستمسكات وغيرها . فليس من المعقول اخذ الغالبية الساحقة بجريرة العدد المحدود الذين تقول الاجهزة الامنية انهم من الدواعش المندسين . ونضيف: من اين للنازح ان يوفر الكفيل ؟ هذا أمر لا علاقة له باي موقف انساني او تشريع محلي او دولي .
وبالعودة الى دستورنا، تقول المادة 44 منه اولا : للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه .فالمواطن حر في اختيار محل سكنه ، ولا يتحدد ذلك بانتمائه الطائفي او القومي ، ولا قيد قانونياً على حرية سكنه. فمن اين اتيتم بفكرة كفيل العراقي في موطنه؟ وهل تعرفون ايها المتنفذون ان ذلك غدى مادة اخرى للفساد!
نعم ان ابناء هذه المناطق هم الاولى بتحرير مناطقهم من داعش ، كما حال بقية مدن ومحافظات العراق. ولكن ان يجبر الناس على ذلك ويكرهون عليه فامر لا تقرة اية شريعة أو قانون . فاين واجب الدولة هنا ومؤسساتها العسكرية المتنوعة ، في توفير الحماية لهم ولغيرهم ، وعلام اذن تصرف مليارات الدولارات على مؤسسات لا تقوى على اداء مهامها ؟
ان محنة النازحين لها بعد وطني وانساني، وليس مقبولا من احد او مؤسسة او هيئة في الدولة العراقية التنصل من مهامها في احتضانهم ورعايتهم ، حتى تتيسر ظروف العودة الآمنة لهم .